الفنانة التشكيلية السعودية دانا التركي: التراث قصة مستمرة تنبض بالحياة

الفنانة التشكيلية السعودية دانا التركي
الفنانة التشكيلية السعودية دانا التركي

بين يديها، تخضعُ المعادن، وتتشكَّل، فتخرجُ تركيباتٌ فنيَّةٌ، تحكي أروعَ القصص. دانا التركي فنَّانةٌ سعوديّةٌ معاصرةٌ، توازنُ بين متغيِّراتِ الفنِّ في عصرنا هذا، وبين عشقها التراثَ السعودي العريق، الذي لا تعدُّه مجرَّد ماضٍ للذكرى، وإنما حكايةٌ مستمرَّةٌ، وعليه تأتي إبداعاتُها لتوثِّقَ محطَّاتٍ مفصليَّةً في تاريخِ البلاد، لكنْ بقالبٍ حديثٍ جاذبٍ، تعبرُ من خلاله إلى العالم، وهو ما تُحدِّثنا عنه في هذا اللقاء.
 

حوار: عبير بو حمدان 
تصوير: سعد الدوسري 


الهوية والروح الإنسانية المشتركة

من أعمال دانا التركي



تُعرِّفين عن نفسكِ بأنكِ فنَّانةٌ معاصرةٌ، تستكشفُ التراث، لماذا يُشكِّل التراثُ مصدرَ إلهامٍ لكِ، وما أكثر عناصره جذباً بالنسبةِ إليكِ؟

التراثُ في نظري، ليس مجرَّد ماضٍ. إنه حكايةٌ مستمرَّةٌ، تنبضُ بالحياة، وتتجدَّد عبر الزمن. أستلهمُ منه، لأنه يحملُ في طيَّاته الهويَّة، والروحَ الإنسانيَّة المشتركة، كما يعكسُ التجاربَ، والمشاعرَ التي تربطنا نحن البشر. عندما أستكشفُ التراثَ، أجد نفسي أعيدُ صياغةَ قصصٍ قديمةٍ بلغةٍ معاصرةٍ، ما يسمح لي بالتواصلِ مع جذوري، والاحتفاءِ بها بطريقةٍ تُثري الحاضر.

أعمالكِ تتأرجحُ بين المفاهيميَّة والحداثة، أيهما تميلين إليه أكثر؟

أميلُ إلى الجمعِ بينهما. المفاهيميَّة، تمنحُ العملَ عمقاً فكرياً، وبُعداً رمزياً حيث يكون لكلِّ عنصرٍ معنى، ورسالةٌ، تتجاوزُ الشكلَ الظاهري. أمَّا الحداثةُ، فتوفِّرُ لي الحريَّة الإبداعيَّة لتجريبِ تقنيَّاتٍ، وأساليبَ جديدةٍ، تعكسُ روحَ العصر، وتجعلُ العملَ متَّصلاً بالواقعِ المعاصر. هذا التأرجحُ جزءٌ من هويَّتي الفنيَّة، فأنا أؤمنُ بأن الفنَّ لا يجب أن يُحصَر في إطارٍ واحدٍ. أجدُ متعةً، وأعيش تحدِّياً عند خلقِ توازنٍ بين الفكرةِ والتنفيذ، إذ يلتقي المضمون المفاهيمي مع الجماليَّات الحديثة لتقديمِ تجربةٍ متكاملةٍ للمُشاهد.

تقولين إنكِ تُحبين التحدِّيات، ما أكبر تحدٍّ واجهكِ حتى اليوم، وما الجميلُ فيها بالنسبةِ للفنَّانين البصريين؟

لا يوجد عملٌ بالتحديد، ينحصرُ تحت كلمةِ «التحدِّي». الجميلُ في التحدِّياتِ بالنسبةِ إلى الفنَّانين، أنها تدفعنا إلى العملِ لكسرِ الحدودِ التي نضعها لأنفسنا، واكتشافِ إمكاناتٍ جديدةٍ. التحدِّياتُ، تعيدُ تشكيلَ رؤيتنا، وتجعلنا نبتكرُ حلاً غير تقليدي، كما أن الصراعَ معها غالباً ما تنتجُ عنه أعمالٌ أكثر صدقاً وعمقاً، لأنها تعكسُ تطوُّرنا بوصفنا أشخاصاً وفنَّانين. التحدِّي، هو المحرِّكُ الأساسُ للإبداعِ والنموِّ لدي.

تابعي معنا تفاصيل لقاء سابق مع التشكيلية السعودية ميساء سليمان

من أعمال دانا التركي

 

انسجام العناصر

الفنانة التشكيلية دانا التركي

عندما يلتقي الفنُّ البصري بالفنِّ السمعي، أي الموسيقى، ما القيمةُ التي تضيفها هذه الأخيرةُ لتلك الأعمال؟

يمكن وصفُ العلاقةِ بين النغمِ والأعمالِ الفنيَّة البصريَّة بالأداةِ التعبيريَّة القويَّة التي تضيفُ أبعاداً جديدةً إلى العملِ الفني. يتمُّ تحديدُ هذه العلاقةِ بما يخدمُ التوجُّه الفنِّي من خلال دراسةِ انسجامِ العناصر حيث يمكن للنغمِ أن يعزِّزَ الرسالةَ البصريَّة، أو يخلقَ تجربةً حسيَّةً متكاملةً.

تستخدمين الذهبَ، ومعادنَ، وموادَّ مختلفةً في الأعمالِ الفنيَّة التي تقدِّمينها، حدِّثينا عن هذا التنوُّع في العناصر؟

استخدامي الحديدَ والمعادنَ وموادَّ مختلفةً في أعمالي الفنيَّة، يعكسُ رغبتي في التعبيرِ عن أفكارٍ متنوِّعةٍ باستخدامِ إمكاناتِ كلِّ مادةٍ بشكلها الخاص. لكلِّ خامةٍ شخصيَّةٌ مميزةٌ، وأرى في هذا التنوُّع وسيلةً لخلقِ لغةٍ بصريَّةٍ غنيَّةٍ. تمنحني المعادنُ قوَّةٌ ومرونةً في الوقتِ ذاته، ما يتيحُ لي تصميمَ منحوتاتٍ، تعكسُ الاستمراريَّة والتحدِّي.

حينما نتحدَّثُ عن أعمالِ دانا التركي، لا بدَّ أن نُخصِّص مساحةً للعملِ الذي تتحدَّثين فيه عن الضيافةِ السعوديَّة بملاعقَ من ذهبٍ، بماذا يتَّصف؟

العملُ، الذي يتناولُ الضيافةَ السعوديَّة باستخدامِ ملاعقَ باللونِ الذهبي، من أقربِ الأعمالِ إلى قلبي، لأنه يعكسُ القيمَ التي أؤمنُ بها، وأرغبُ في إبرازها مثل الكرمِ، والتقاليدِ العريقة. استلهمتُ العملَ من روحِ الضيافةِ في المجتمعِ السعودي التي تُعدُّ جزءاً أساسياً من هويَّتنا الثقافيَّة والاجتماعيَّة، فالذهبُ يرمزُ للكرمِ، والوفرةِ، والنقاء، بينما يرتبطُ اللونُ الذهبي في ذاكرتنا الجماعيَّة بالمناسباتِ السعيدة، والتقاليدِ الأصيلة. الملعقةُ، ليست مجرَّد أداةٍ، إنها تعبيرٌ عن العطاءِ، والبساطةِ التي تلتقي فيها الأصالةُ بالحداثة.

كذلك كانت التجارةُ والمقايضةُ موضوعاً رئيساً في بعضِ أعمالكِ، لماذا، وكيف طوَّرتِ معرفتكِ بهذا النطاق؟

التجارةُ والمقايضة، كانتا جزءاً رئيساً في بعض أعمالي، لأنهما ترتبطان بعمقٍ مع تاريخنا الإنساني، وثقافتنا المحليَّة، خاصَّةً في المجتمعاتِ العربيَّة التي اعتمدت التجارةَ وسيلةً للبقاءِ والتطوُّر. هذا الموضوعُ يجذبني، لأنه يعكسُ فكرةَ التواصلِ، والتبادلِ بين البشر، وهو أمرٌ مستمرٌّ عبر الزمن، وإن اختلفت أساليبه، وهو مهمٌّ في عائلتي، إذ استمعتُ إلى قصصِ الأجدادِ حول كيفيَّة انتقالهم بين مناطقَ مختلفةٍ للتجارة، والصعوباتِ التي واجهوها، وكيف كانت التجارةُ تعتمدُ على الثقةِ والقيمِ أكثر من العقودِ المكتوبة. هذا الموضوعُ بالنسبةِ لي، يتجاوزُ كونه سرداً تاريخياً. إنه وسيلةٌ لتكريمِ الماضي، والتفكرِ في كيفيَّة استمراريَّة هذه القيمِ في عصرنا الحديث.

نفترح عليك متابعة هذا الحوار مع الفنان السعودي إبراهيم الألمعي

من أعمال دانا التركي

 

"العمل الذي يتناول الضيافة السعودية باستخدام ملاعق باللون الذهبي، من أقرب الأعمالِ إلى قلبي"

 

 

ازدهار المشهد الفني

من أعمال دانا التركي

عُرِضَت أعمالكِ في عديدٍ من المعارضِ الضخمة، ما الحدثُ، أو المكانُ الذي تطمحين لرؤيتها معروضةً فيه؟

صحيحٌ. عُرِضَت أعمالي في معارضَ ضخمةٍ، وهذا كان دائماً مصدرَ فخرٍ وسعادةٍ بالنسبةِ لي، لكنْ طموحي مستمرٌّ بعرضها في أماكنَ جديدةٍ، تمنحها فرصةَ الوصولِ إلى جمهورٍ أوسع، وتثيرُ تفاعلاً ثقافياً أعمق. مع ازدهارِ المشهدِ الفنِّي في السعوديَّة، أسعى إلى عرضِ أعمالي في مشروعاتٍ ضخمةٍ حيث يمكن للفنِّ أن يكون جزءاً من الرؤيةِ المستقبليَّة للمملكة. سيكون ذلك فرصةً للاحتفاءِ بتراثنا، والتعبيرِ عن ثقافتنا بأسلوبٍ معاصرٍ، يتماشى مع التحوُّلاتِ الكبرى التي نشهدها.

حدِّثينا عن انعكاساتِ مشاركتكِ ضمن إقامةِ «مساحة» تحت مظلَّة «معهد مسك للفنون»، ما أهميَّتها في رأيكِ؟

مشاركتي ضمن إقامةِ «مساحة» تحت مظلَّة «معهد مسك للفنون»، كانت تجربةً استثنائيَّةً، وأضافت الكثيرَ إلى مسيرتي الفنيَّة على مستوى الفكرِ، والإبداعِ، والتفاعل. هذه الإقامةُ الفنيَّة، تمثِّلُ منصَّةً فريدةً، تجمعُ فنَّانين مبدعين من مختلفِ الخلفيَّات، وتهدفُ إلى تعزيزِ الحوارِ الفنِّي، وتشجيعِ الابتكار، وتطويرِ المهارات.

هل دانا في المكانِ الذي أحبَّت أن تكون فيه يوماً ما؟ وكيف تتخيَّلين المستقبل؟

على المستوى الشخصي والإبداعي، يمكنني القولُ: إنني في مكانٍ مليءٍ بالرضا والتقدير لما حقَّقته حتى الآن. لقد قطعتُ شوطاً طويلاً منذ أن بدأتُ رحلتي الفنيَّة، وممتنَّةٌ لكلِّ تجربةٍ أسهمت في تشكيلِ شخصيَّتي وأعمالي، لكنْ في الوقتِ نفسه، أعتقدُ أن الفنَّان دائماً ما يكون في حالةِ سعي نحو ما هو أبعدُ وأعمق، لأن الإبداعَ لا يعرفُ حدوداً.

ومن عالم الفن التشكيلي أيضأً اخترنا لك اللقاء مع الفنانة التشكيلية السعودية وداد البكر

الفنانة التشكيلية دانا التركي

 

أسئلة سريعة

من أعمال دانا التركي


أجملُ ما في الفن؟

اللا حدود.

فنَّانٌ عالمي، تأثَّرتِ به؟

أنيش كابور.

فنَّانٌ محلي، تُحبين أعماله؟

لولوة الحمود.

مصدرُ الدعمِ لكِ؟

العائلة.

كيف تصفين المرأةَ السعوديَّة؟

ملهمةٌ.

كيف تصفين السعوديَّة اليوم؟

متجدِّدةٌ.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط

من أعمال دانا التركي