بطول التاريخ وعرضه مثّل الفن بمدارسه المختلفة المتنفس الذي يذهب له الإنسان ليعبر عما يحيط به من فضاءات، وما يحتويه من جمادات ونبات وحيوانات وأشكال بيئية وأنشطة بشرية، محاولاً سبر خبايا الكون الخارجي وخبايا مكنونات نفسه، ومع مرور الأيام، وتعاقب الأزمان تغير الفن وتطور وخرجت للنور مدارس واتجاهات ازدهرت وتلألأت ثم خبت واختفت، وتعقد الفن أكثر وأكثر وصار أكثر غموضاً وتحدياً وإيحاءً ودفعاً إلى التأمل والتفكير والتعدد القرائي في الكثير منه، بالسياق التالي سيدتي التقت الفنانة التشكيلية ليليان خيري لتعرفك إلى أشهر مدارس الفن التشكيلي.
الحركات الفنية تعبر عن سياقات الزمان والمكان الذي توجد به
تقول ليليان خيري، وهي ناقدة ومتخصصة في الفنون التشكيلية لسيدتي: تطل علينا إنتاجات وأعمال الفنانين منذ العصور الأولى وعلى مر التاريخ، منذ الخربشات الأولى على جدران الكهوف وحتى أعقد الرسوم والتصاميم التي شهدتها الحضارات المختلفة وصولاً لعصرنا الحديث، فقد أنتج الفنانون أعمالاً فنية في مجموعة متنوعة من الوسائط والأساليب التي تتبع فلسفات ومثلاً فنية مختلفة تعبر عن سياقات العصر واتجاهاته.
ترى ليليان أن تصنيف الفن التشكيليِ والحركات الفنية قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى اختزال وانتقاص سياقات إبداعية واتجاهات فنية لها ثقلها وتميزها، إلا أننا يمكننا تجميع الاتجاهات أو الأساليب الفنية المختلفة في عناوين جماعية تُعرف بالغرب بالحركات الفنية ونحن نطلق عليها بالشرق المدارس الفنية أو الاتجاهات الفنية وهي عبارة عن مقومات وتفاصيل كانت سائدة في عصر ما؛ اجتمعت عليها أشكال الثقافة والفنون لتعبر عن هذه الفترة بذائقتها وسياقاتها ومختلف تفاصيلها وجوانبها العلمية والأدبية والسياسية والاقتصادية...
ويمكنك التعرف إلى المزيد من ذات السياق إذا تابعت الرابط: ما هو الفن التشكيلي
عدد من الحركات والأساليب الفنية
تقول ليليان: بحسب تاريخ الفن التشكيليِ فهناك العديد من الحركات والاتجاهات والمدارس الفنية التشكيلية التي ظهرت وخبت سريعاً، وأخرى انتشرت ومازالت موجودة، على أنه سيكون من الصعب رصدها كلها، إلا أن هذه بعض منها:
(الكلاسيكية – الواقعية - الرومانسية– الطبيعية– التعبيرية- الانطباعية– الوحشية– السريالية– التكعيبية– التجريدية– المستقبلية– التأثيرية– الرمزية- التعبيرية التجريدية- آرت ديكو- آرت نوفو- الطليعية– الباروك– الباوهاوس– كوبرا- الفن المفاهيمي– البنائية– التكعيبية– الدادية– الفوفية– المستقبلية- نهضة هارلم- فن التركيب- فن الأرض– البساطة- الانطباعية الجديدة- الكلاسيكية الجديدة- الفن المركب- فن النيون- فن الأداء- فن البوب- ما بعد الانطباعية– روكوكو- فن الشارع- السريالية– التفوقية– الرمزية- المجموعة الصفرية- الفن الرقمي) وغيرها.
وإذا تابعت الرابط التالي فستتعرفين أكثر إلى: مفهوم الفنون المرئية
أشهر المدارس والحركات الفنية:
المدرسة الكلاسيكية
ظهرت هذه الحركة الفنية وبقوة في بداية القرن الخامس عشر وصولاً للقرن الثامن عشر حيث نادت مجموعة من الفنانين بإحياء التقاليد الإغريقية والرومانية المعتمدة على الكمال الشكلي والجمال النسبي والقيمي، حيث كانت الأصول الجمالية المثالية سائدة في اليونان القديم، وكانت آثارها في فن النحت والعمارة والتصوير تنتشر في أنحاء إيطاليا، ومن أشهر فناني هذه الحركة ليوناردو دا فينشي، ومايكل أنجلو.
المدرسة الواقعية
جاءت المدرسة الواقعية رداً على المدرسة الرومانسية، فقد اعتقد أصحاب هذه المدرسة بضرورة رسم أشكال الواقع كما هو، وتسليط الأضواء على جوانب هامة يريد الفنان إيصالها للجمهور بأسلوب يسجل الواقع بدقائقه دون غرابة أو نفور، فالمدرسة الواقعية ركزت على الاتجاه الموضوعي، وجعلت المنطق الموضوعي أكثر أهمية من الذات، فصور الرسام الحياة اليومية بصدق وأمانة، دون أن يدخل ذاته في الموضوع، وتُعد المدرسة الواقعية مدرسة الشعب، ومن أشهر الفنانين كوربيه، وكارفاجيو.
المدرسة الرومانسية
بدأت إرهاصاتها الأولى في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وتماهت إلى حد بعيد مع التطور الحضاري في ذلك الوقت، وهي تعتمد على العاطفة والخيال والإلهام أكثر من المنطق، وتميل إلى التعبير عن العواطف والأحاسيس والتصرفات التلقائية الحرة، ومن أشهر فناني الرومانسية يوجيه دي لاكرواه، وجاريكو.
وإذا تابعت السياق التالي فستتعرفين إلى: أعظم فناني عصر النهضة
المدرسة التكعيبية
اعتمدت الحركة الفنية التكعيبية على الأشكال الهندسية أساساً لبناء العمل الفني؛ إذ قامت هذه المدرسة على الاعتقاد بنظرية التبلور التعدينية التي تعتبر الهندسة أصولاً للأجسام. واستخدم فنانوها الخط المستقيم والخط المنحني، فكانت الأشكال فيها إما أسطوانية أو كروية، وكذلك ظهر المربع والأشكال الهندسية المسطحة في المساحات التي تحيط بالموضوع، ويُعد سيزان صاحب الإرهاصات الأولى للاتجاه التكعيبي، ولكن الدعامة الرئيسية هو الفنان بابلو بيكاسو، ومرت بثلاث مراحل لاستمراره في تبينها وتطويرها مدة طويلة من الزمن، وقد مرت بعدد من المراحل:
- المرحلة الأولى بين عامي 1907 / 1909 التي بدأها الفنان سيزان
- المرحلة الثانية بين عامي 1910 / 1912 وهي المرحلة التكعيبية التحليلية
- المرحلة الثالثة وتبدأ من عام 1913 / 1914 وفيها تم التركيز على رسم موضوع مترابط واضح المعالم.
المدرسة الوحشية
تعتمد الوحشية قوة اللون والأداء، فقد اهتم الوحشيون بالضوء المتجانس والبناء المسطح فكانت سطوح ألوانهم تتألف دون استخدام الظل والنور، أي دون استخدام القيم اللونية وتوافقاتها (الهارموني اللوني)، وعمدت أسلوب التبسيط، ويُعد هنري ماتيس رائد هذه المدرسة بالإضافة لجورج رووه.
وإذا تابعت الرابط التالي فستتعرفين أكثر إلى: المدرسة الوحشية أول حركة فنية في القرن العشرين
المدرسة التجريدية
المذهب التجريدي أحد سياقات الفن التشكيليّ في الرسم، ويسعى إلى البحث عن جوهر الأشياء والتعبير عنها في أشكال موجزة تحمل داخلها الخبرات الفنية والأشكال الرمزية التي تعانق الأسطورة، وقد اهتمت المدرسة التجريدية الفنية بالأصل الطبيعي، ورؤيته من زاوية هندسية، حيث تتحول المناظر إلى مجرد أشكال هندسية، وتظهر اللوحة التجريدية أشبه ما تكون بقصاصات الورق المتراكمة أو بقطاعات من الصخور أو أشكال السحب، أي مجرد قطع إيقاعية مترابطة ليست لها دلائل بصرية مباشرة، وإن كانت تحمل في طياتها شيئاً من خلاصة التجربة التشكيلية التي مر بها الفنان وأشهر فنانيها: كاندينسكي، موندريان، بولوك.
المدرسة السيريالية
تهدف إلى البعد عن الحقيقة وإطلاق الأفكار المكبوتة والتصورات الخيالية وسيطرة الأحلام، واعتمد فنانو السيريالية على نظريات فرويد رائد التحليل النفسي، خاصة فيما يتعلق بتفسير الأحلام، وقد ازدهرت السريالية كثيراً خلال العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، وتميزت بالتركيز على كل ما هو غريب ومتناقض ولا شعوري، وتخلصت السيريالية من مبادئ الرسم التقليدية، في التركيبات الغريبة لأجسام غير مرتبطة ببعضها البعض لخلق إحساس بعدم الواقعية؛ إذ إنها تعتمد على الشعور، وأشهر فنانيها العبقري سلفادور دالي، وماكس إرنست.
ويمكنك التعرف أكثر إلى: أسلوب ومميزات الفن السريالي
المدرسة المستقبلية
هدفت المستقبلية وهي إحدى مدارس الفن التشكيلي الحديث إلى مقاومة الماضي، ودعت للتغير لذلك سميت بالمستقبلية، واهتم فنان المستقبلية بالتغير المتميز بالفاعلية المستمرة في القرن العشرين، الذي عرف بالسرعة والتقدم التقني، وحاول الفنان التعبير عنه بالحركة والضوء، فكل الأشياء تتحرك وتجري وتتغير بسرعة، وتعتبر المدرسة المستقبلية الفنية ذات أهمية بالغة؛ إذ إنها تمكنت من إيجاد شكل متناسب مع طبيعة العصر.
المدرسة الانطباعية
ظهرت في القرن التاسع عشر واستمدت اسمها من عنوان لرائدها الرسام الفرنسي كلود مونيه، وكانت باسم انطباع شروق الشمس soleil levant، واعتمدت الانطباعية على نقل الواقع أو الحدث من الطبيعة مباشرة وكما تراه العين المجردة بعيداً عن التخيّل والتدخل والتزويق، حيث خرج الفنانون من مراسمهم المغلقة لفضاءات الطبيعة الحرة حيث الهواء الطلق، وحيث ينقل الفنان انطباعه عن المنظر المشاهد بعيداً عن الدقّة والتفاصيل، ومن أشهر فنانيها: مونيه، وسيزلي، وبيسارو وديجا.
المدرسة التأثيرية
عند ظهورها أشاعت موجة من التحرر في الفن، وهناك الكثيرون يرون أن التأثيرية ما هي إلا الانطباعية، على أن التأثيرية عمدت لتغيير واضح في منهجية الرسم وتطبيق الطلاء بلمسات صغيرة ذات لون نقي بدلاً من ضربات أوسع، ومن أشهر فنانيها ديبوسي وسيكريت، وقد ظهر بعد هذه الحركة الفنية مصطلح "ما بعد التأثيرية" وفيها أراد الفنانون تطبيق بعض خصائص التأثيرية وتوجيهها نحو فن أكثر ذاتية، ومن فنانيها سيزان، وفان جوخ، وجوجان.
مدرسة الآرت ديكو
نشأت في فرنسا قبل الحرب العالمية الأولى، وازدهرت في عام 1925 بمناسبة معرض الفنون الزخرفية، وتعمد إلى طمس الخط الفاصل بين الوسائط والمجالات المختلفة، من الهندسة المعمارية والأثاث إلى الملابس والمجوهرات، ودمج فن آرت ديكو الخصائص الجمالية الحديثة مع الحرفية الماهرة والتكنولوجيا المتقدمة والمواد الأنيقة، ومن أشهر فنانيه رومان دي تيرتوف.
مدرسة الباوهاوس
تأسست مدرسة الفن والتصميم في ألمانيا على يد والتر غروبيوس في عام 1919، وينظر لها على أنها تجمع ما بين المدرسة التكعيبية والتعبيرية، كما أنها قد تأثرت بأفكار الفنان الإنكليزي وليم موريس من ناحية محاولة الدمج بين الحرفة والفنون الجميلة، وقد جمعت الفنانين والمهندسين المعماريين والمصممين، وطورت أسلوباً تربوياً تجريبياً يركز على المواد والوظائف بدلاً من منهجيات مدرسة الفنون التقليدية، في تجسيداتها المتعاقبة في فايمار وديساو وبرلين، وقد أصبحت موقعاً لمحادثات مؤثرة حول دور الفن والتصميم الحديث في المجتمع، ومن أشهر فنانيها المعماري والتر غروبيوس.
قد ترغبين في التعرف إلى: 7 فنانين يعرفونك إلى المدرسة الانطباعية وأهم فنانيها