تمكن الشعب الليبي من تلقين العالم درساً في الإخاء والوحدة والتضامن، كرَّسته المبادرات الإنسانية التي وُلدت من أقل الإمكانات، ومن رغبة الليبيين في مساعدة أهل المنطقة الشرقية، حيث ضرب إعصار "دانيال".
خط إنساني
وفي هذا السياق، جاءت مبادرة الدكتورة الليبية رئام عدنان أنبيه وأسرتها، وهي واحدة من بين العديد من المبادرات التي نظمتها الأسر والجهات الليبية، وحاولوا فيها فتح خطٍّ إنساني بين المواطنين في ليبيا وإخوانهم المنكوبين في درنة. ومع أنهم واجهوا صعوباتٍ شتَّى، لكنهم لم يستسلموا، وأشركوا الأطفال في حمل هذه الرسالة، وناشدوا الجميع لمد يد العون، فشكَّلوا مصدرَ إلهامٍ لمَن حولهم، ما ولَّد مزيداً من المبادرات.
وعن هذه المبادرة، قالت الدكتورة رئام: "في هذه اللحظات العصيبة التي يمرُّ بها شعبنا، كان من الضروري أن نتحد بوصفنا مجتمعاً لمساعدة بعضنا. لقد شعرنا بأنه لا يمكننا البقاء جالسين، ومشاهدة جيراننا وأحبائنا يعانون، لذا قرَّرنا في الأسرة أن نبادر بتقديم يد العون".
وأضافت: "بدأنا بتجهيز شاحنةٍ محمَّلةٍ بالضروريات لمساعدة الأسر المتضرِّرة فقد تكون بأمسِّ الحاجة إليها في هذه الأوقات الصعبة، وقد اشترك الجميع في الأسرة، حتى الأطفال، في تحميلها بالغذاء، والمياه، والحليب ومستلزمات الأطفال، والمواد الطبية. كانت رغبتنا الحقيقية في تقديم مساعدةٍ حقيقيةٍ وفاعلة".
صعوبة في إيصال المساعدات
وتمنَّت الدكتورة رئام أن تكون مبادرتهم ملهمةً للآخرين، ليتَّخذوا خطواتٍ مماثلة، وذكرت: "هدفنا التخفيفُ من معاناة الأشخاص المتأثرين بالإعصار، ومساعدتهم للعودة إلى حياتهم الطبيعية. نحن لسنا وحدنا فكل أبناء وبنات الوطن هبَّوا لتلبية صرخة إخوانهم وأخواتهم، ومبادرتنا هي مبادرةُ كل الليبيين ففي كل بيتٍ ليبيٌّ، خرج متضامناً مع إخوتنا في المنطقة الشرقية، ونعمل على تقديم كل ما نستطيع لمساعدة المنكوبين سواءً معنوياً أو مادياً من أغطيةٍ وملابسَ وغيرها، فهذه الكارثة الإنسانية وحَّدتنا جميعاً، وبإذن الله سنبني مجتمعاً أقوى وأكثر تكافلاً".
وأكدت أن مَن يمدُّهم بالمواد والمساعدات اللازمة مواطنون عاديون، يرغبون في مساعدة إخوتهم في هذه الأوقات الصعبة.
وحول الصعوبات التي واجهتهم في جمع وإيصال المساعدات، قالت: "هناك بعض الصعوبات في جمع وإيصال المساعدات نظراً للتحديات اللوجستية الحالية، والتدمير واسع النطاق للبنية التحتية، لكننا نبذل قصارى جهدنا لضمان أن تصل المساعدات إلى المحتاجين إليها في أسرع وقتٍ ممكن".
إشراك الأطفال في المبادرات
وأشارت الدكتورة رئام إلى أهمية إشراك الأطفال في هذا النوع من المبادرات، وذكرت: "تنمية روح المبادرة لدى الأطفال، تُعلِّمهم قيم التعاون والتكافل، والمسؤولية تجاه مجتمعهم، وتساعدهم في بناء مهارات القيادة، وتعزيز الثقة في النفس، ما يسهم في تشكيل جيلٍ متعاونٍ ومبتكرٍ، يستطيع مواجهة التحديات المستقبلية بنجاحٍ. مشاركة الأطفال في هذا النشاط، تزرع فيهم روح التعاون والمسؤولية تجاه مجتمعهم منذ الصغر، وتعطيهم درساً قيِّماً في أهمية التكاتف والوقوف معاً في وقت الحاجة".
صعوبة المشهد
هذا وتحدَّثت الدكتورة رئام عن مدى صعوبة المشهد في درنة الليبية، واصفةً الوضع بالمأساوي، وقالت: "ليبيا تشهد اليوم حدثاً كارثياً غير مسبوقٍ، فهذا الفيضان ابتلع أكثر من ربع مدينة درنة مع الأسف بكل ما فيها من أهلٍ وجيرانٍ وأقارب، جميعهم انتقلوا إلى رحمة الله تعالى. عددٌ كبيرٌ من الأطفال تيتَّموا، وهناك عائلاتٌ بأسرها لم يبقَ منها إلا شخصٌ واحدٌ على قيد الحياة".
ووقفنا معها عند قوة تضامن الشعب الليبي على الرغم مما تعانيه البلاد من انقساماتٍ ومشكلاتٍ، فأثنت على ذلك، مبينةً أن "المأساة وحَّدت وجمعت الشعب الليبي كله، بل ووحَّدت أيضاً الشعوب العربية لدعمه، وهذا يدلُّ على أن الشعوب تقف مع بعضها عند الكوارث، وتنسى خلافاتها، وتجتمع لدعم المنكوبين"، وقالت: "هذا دليلٌ قوي على التضامن والوحدة بين الشعوب العربية، ونأمل أن يستمرَّ هذا التوحُّد في الأوقات الصعبة وما بعدها. الطبيعة الإنسانية والبشرية تتغلَّب دائماً على المنازعات السياسية والمصالح، وهذا ما عبَّرت عنه وقفات المواطنين والشعوب كلما حلَّت كارثةٌ إنسانيةٌ، إذ تبقى بعيدةً عن الخلافات، بل وقد تذيبها أحياناً".
ووجَّهت الدكتورة رئام رسالةً، جاء فيها: "أقول للعالم إن التضامن والوحدة القوةُ الحقيقيةُ في مواجهة أي كارثةٍ، وأدعو الجميع للوقوف معنا في هذا الوقت الصعب، وتقديم الدعم والمساعدة للشعب الليبي من أجل تجاوز هذه المحنة، وبناء مستقبلٍ أفضل، وأكثر أماناً، كما أدعو الجميع للانضمام إلينا في هذا الجهد حتى نثبت أننا قادرون في ليبيا على التغلُّب على أي تحدٍّ قد يواجهنا عندما نكون متحدين ومتكاتفين في سبيل الخير والتقدم".
يذكر أن إعصار دانيال، الذي ضرب الشرق الليبي قادماً من البحر الأبيض المتوسط، خلَّف مأساةً إنسانيةً هائلةً، إذ ترك مدنه، وخاصةً درنة، منكوبةً ومدمَّرةً ومتَّشحةً بالسواد، وأشارت الجهات المعنية إلى وقوع آلاف القتلى والجرحى وأكثر من 10 مفقود، ونزوح عشرات الآلاف من أهل المنطقة المنكوبة.
اقرؤوا معنا أيضاً: