أغرم الكثيرون والكثيرات بالبيع والشراء عبر الإنترنت، وهذا الشراء لا يقتصر على بضاعة بألفي درهم، بل ربما هي بيت بمليون درهم، وهذه الطريقة ساعدت في انتشار قضايا الاحتيال العقاري، فيما يعجز القانون أحياناً عن حماية المغفلين الذين تنطلي عليهم الحيل. قضية حساسة دارت أحداثها في دبي، تتابع «سيدتي» تفاصيلها في الموضوع الآتي.
عادت بنا قضيتنا الجديدة إلى احتيال عقاري راح ضحيته عدد من المستثمرين المواطنين والمقيمين، بعد أن أوهمهم أوروبيون بإمكانية شراء قطع أراض بالمملكة المتحدة. من خلال تحقيقات نيابة الأموال العامة في أبوظبي تبين أن الشركة لا تملك أي ترخيص لمزاولة مهنة بيع العقارات في إمارة أبوظبي، وأنها تمكنت من النصب والاحتيال على حوالي 40 مستثمراً، واستولت على ما يقارب 3 ملايين درهم مقابل تحرير عقود بيع وهمية.
بعد هذه القضية اعتقد كثيرون أنهم أخذوا اللقاح اللازم ضد النصب، ثم أصيب الجميع بالذهول عند وقوع احتيال شائك في مجمع الروضة العقاري التابع لشركة إعمار؛ إذ وجد قرابة 400 مستأجر أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه بعد أن احتال عليهم «تاجر عقارات» ينتسب لعائلة القوتلي، ووضع يده على أكثر من 4 ملايين درهم قبل أن يختفي ويتركهم بين فكي كماشة، فلا سيولة معهم لاستئجار عقار جديد بعد أن دفعوا أجرة عام كامل طمعاً في شهر مجاني كما قال لهم القوتلي..ين».
شهر «free»
القصة بدأت عندما قامت شركة تدعى «شاميانا لخدمات الترفيه»، والتي تدير العقار بإقناع المستأجرين بمنحهم شهراً إضافياً إن دفعوا قيمة الإيجار دفعة واحدة.
وعلى الفور صرف مديرها شيكات المستأجرين، واختفى مع الدفعات التي قاموا بتسديدها مخلفاً وراءه أزمة كبيرة! خيوط القصة ظهرت عندما فوجئ المستأجرون بمن يطالبهم بإخلاء الشقق كونها مؤجرة، وأن العقود التي بحوزتهم مزورة.
تحريات الشرطة كشفت أن المشتبه به عرف عن نفسه لضحاياه باسم هيثم القوتلي، وأنه سوري يحمل الجنسية السعودية، وكان قد اتصل بهم عبر الإنترنت للقائهم، وقبل فراره جمع شيكات الإيجار بقرابة 4 ملايين درهم، ثم اختفى بعد أن سحب مبالغ الشيكات.
أساليب
مدير الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية بدبي، العميد خليل إبراهيم المنصوري، لم يبخل بتفسير القضية، وبرأيه أن المتهم استغل نشاطه التجاري، واستخدم أساليبه الإجرامية المبتكرة، وبساطة المجني عليهم، وتمكَّن من ارتكاب جريمته والفرار من أراضي الإمارات قبل أن تُسجَّل بحقه أي بلاغات جنائية لدى مراكز الشرطة.
وتابع: «سارعنا عقب ورود البلاغات إلى إحالة ملف القضية إلى النيابة العامة؛ لعمل ملف استرداد (نشرة إنتربول)، فالمتهم كان يقوم بتأجير شقق سكنية عن طريق وضع إعلانات في موقع متخصص بالإنترنت، وكان يتم التواصل معه من قِبل الضحايا عن طريقه، ويعرض شققاً غير مسكونة تعود ملكيتها لأشخاص آخرين».
النصب كما أوضح المنصوري لم يكن في مجمع الروضة، بل تعداه إلى شقق في منطقة جميرا بيتش، وهناك شقتان في بريزيدنس، وشقة في كل من مرسى دبي، وأبراج بحيرات الجميرا، والتيكوم، والحدائق، وفيلا في داون تاون بالقرب من برج خليفة.
النصاب - بحسب العميد المنصوري - كان يوهم المستأجرين من ضحاياه بأن لديه توكيلات من أصحاب تلك الشقق، ثم يقوم بتزويدهم بعقد إيجار غير قانوني، فضلاً عن تمكنه من تأجير الشقة الواحدة لأكثر من مستأجر.
بدأ الأمر يتكشف بعد أن طلب الملاك الأصليون لتلك الشقق من عدد من المجني عليهم مغادرة ملكياتهم، التي شغلوها بشكل غير قانوني وشرعي؛ ليُفاجأ المجني عليهم بأنهم وقعوا ضحية عملية نصب واحتيال، وأن العقود التي بحوزتهم غير قانونية.
ظهرت واقعة مجمع الروضة عندما قدم بعض المستأجرين بلاغات بحق القوتلي، هنا أوضح مدير مركز جبل علي العقيد عبدالقادر البناي: «المتهم استطاع حصر عدد من الوحدات غير المسكونة، 70 وحدة منها في منطقة الروضة، وذلك من خلال التواصل مع أصحابها، وإيهامهم بأنه يريد استئجارها لموظفي شركته، ثم أعاد طرحها للإيجار مجدداً من خلال موقع (دوبيزل) المتخصص في الإعلانات، وأوهم ضحاياه بأنه وكيل أصحاب هذه الوحدات، وأجرها لهم بعقود غير قانونية، ولم يشكوا به، معتمدين على توصية من أصدقاء لهم استأجروا من خلاله».
غادروا
هؤلاء الضحايا ككثر آخرين تعرضوا للابتزاز والتضليل. فأحمد هزيم شاب بحريني زار الإمارات، وقام بشراء شقة في دبي ودفع 500 ألف درهم على أن يستكمل الدفعات خلال ثلاث سنوات، إلا أنه فوجئ عند موعد استلام العقار باختفاء الشركة، وما زال ينتظر الفصل القانوني.
ويواجه المتضررون في مثل هذه الحالات وضعاً قاسياً إذ يتخوف أغلبهم من إلزامهم بمغادرة العقارات التي أجروها أو اشتروها.
جاك بيترسون بريطاني وأحد الذين وقعوا في الفخ قال: «وجدت نفسي في مأزق حرج بعد أن تبين لاحقاً أننا تعاملنا مع شركة (وهي غير مسجلة وغير مرخصة ونشاطها الأصلي خدمات الترفيه)، لكنها تمكنت من خداعي وخداع عدد كبير من المستأجرين»، لكن محمد الهاجري رجل أعمال وصاحب شركة الهاجري للعقارات بدبي يرى أن كبار رجال الأعمال لهم قنواتهم التي يعتمدون عليها عند تحديد خياراتهم الاستثمارية خارج الإمارات وداخلها، والمشكلة في صغار المستثمرين الذين تستهويهم «العروض الطائرة».
تؤيده داليا إبراهيم، معلمة رياض أطفال، فالقانون برأيها لا يحمي المغفلين. وتعلّق: «نادراً ما يقع تاجر أو شخصية كبيرة في عملية نصب من هذا النوع، والضحايا هم من أشخاص تنطلي عليهم حيلة الشركات والإعلانات».
ويحكي لنا محمد اللحام، فني كمبيوتر، قصة صديق له أخذ قرضاً، واشترى شقة على الخارطة بعقد مع إحدى شركات العقار الكبيرة بسمعتها، يتابع محمد: «فوجئ في منتصف الطريق بأن أعمال البناء توقفت بسبب عجز في السيولة لدى الملاك، وهو منذ ثلاث سنوات ينتظر الفصل القانوني بين المالك والبنك، لعله يستعيد ما خسره على شقة اشتراها على الورق.
للنصب جذور
يوسف البحر، محام، يرى أن مناخ الاستثمار والانفتاح الاقتصادي شجع فئة مريضة لاستغلال الوضع للكسب السريع غير المشروع، ورغم كثرة هذه القضايا، لكن أغلبية الضحايا هم من صغار المستثمرين أو الناس البسطاء ممن لا خبرة لهم في قضايا المال والأعمال. وتابع لـ«سيدتي نت»: «إن توعية المستهلك أمر ضروري لتجنيبه التعرّض لعمليات الغش والاحتيال. وقد أحدثت سلطة دبي للخدمات المالية قسماً خاصاً على موقعها لنشر آخر عمليات الاحتيال التي تؤثر في مركز دبي المالي العالمي، وفي أنشطة المستثمرين. وهي تقوم بتحديث هذا القسم بشكل متواصل».
غالبية عمليات الاحتيال، كما كشف المحامي البحر، تتم عبر الهاتف أو إعلان في الصحف، ونصح البحر أي مستهلك يحاول استئجار أو شراء عقار أن يطلب من المتصل إثبات هويته ورخصة عمله، ويفضل أن يبرزها على شكل وثيقة مكتوبة (مباشرة، أو صورة منها). وعلّق: «إجراء بحث بسيط عبر الإنترنت قد لا يفي بتأمين الموثوقية الكافية؛ نظراً لقيام الكثيرين من المحتالين بتطوير مواقع إلكترونية غاية في التعقيد؛ إخفاءً لنواياهم الحقيقية.
لتتأكد
يعمل جمال محمود في مكتب وساطة عقارية في عجمان، وحسب خبرته أن هذه الأمور شائعة، حيث إن المستأجر لا يتحقق من مالك العقار، وأحياناً تكون الوحدة السكنية غير مسجلة في دائرة الأراضي (الطابو) على أنها وحدة سكنية مستقلة، وإنما يتم تسجيل المشروع بأكمله، وينصح الذين يريدون التحقق من العقار بالآتي:
أولاً: اطلبوا من العميل ملكية الوحدة السكنية.
ثانياً: إن لم تتوافر اطلبوا عقد المبايعة بين المطور والشاري لتلك الوحدة السكنية.
ثالثاً: اذهبوا بعقد المبايعة إلى دائرة الأراضي، وتحققوا من هذا العقد، ومطابقة الأسماء الواضحة في الملكية أو عقد الشراء.
كما تنشر أراضي دبي، ومؤسسة التنظيم العقاري على موقعها الإلكتروني قوائم بأسماء الشركات المسجلة لديها مع نوعية رخصهم، والأنشطة المسموح لهم بممارستها في السوق، لكن بعض المتعاملين في السوق لا يظهرون حماسة في مراجعة تلك القوائم؛ ما يعرضهم لاحقًا إلى مواجهة مواقف مؤلمة. ودائماً ما تنصح أراضي دبي ملاك العقارات بضرورة التأكد من أن الوكيل مرخص، ومسجل لدى مؤسسة التنظيم العقاري، وله عنوان ثابت.