يوماً بعد يوم، تزداد أعداد العوائل التي تجبرها الظروف على الإنتقال من مكان إلى آخر، طلباً للرزق أو بحثاً عن فرصة حياة أفضل. وفي هذا الإطار، تشير الإحصائيات في بريطانيا إلى أن حوالي 50% من الناس ينتقلون من سكن إلى آخر خلال كل خمس سنوات من حياتهم. وقد يبدو هذا الأمر نوعاً من التغيير والإكتشاف وتحقيق الطموح بالنسبة للكبار، لكنّه يتحوّل مع الصغار إلى أمر أكثر تعقيداً، خصوصاً إذا ما تطلّب الأمر الإنتقال إلى مدرسة جديدة وما يترتّب على ذلك من خسارة الأصدقاء والمعلّمين والأمان والإستقرار الذي توفّره المدرسة القديمة، بل إن بعض اختصاصيي التربية يذهبون إلى أن هذه التجربة ربما تكون الأكثر صعوبة والأشد وطأة على نفسيّة الصغير الذي ما يزال غير مؤهّل للتعامل مع هذا التغيير.
وللحديث عن هذه التجربة وتأثيرها على حياة الأبناء، "سيدتي" التقت مديرة جمعية "تربية الأولاد الإيجـــــابية" Positive Parenting في المملكة المتحدة والتي تعنى بشؤون الأسرة والطفل الإختصاصية التربوية باربرا بوروس:
لعل أهم ما يقلق الصغار في عملية الإنتقال هو كيفية التأقلم مع المدرسة الجديدة. ورغم أن الإنتقال هو أمر صعب للصغار في أي عمر، إلا أنّ الأمر يكون أكثر صعوبةً في عمر المراهقة، خصوصاً إذا ما قضى المراهق مرحلةً طويلةً من التعليم في مدرسته القديمة وتكوّنت لديه صداقات وعلاقات متينة مع رفاق المدرسة ربما هي أقوى حتى من علاقته بأسرته. وبالتأكيد، إن ترك المدرسة سوف يولّد لديه شعوراً بالإمتعاض والإستياء وحتى الغضب.
وتفيد هذه الخطوات الأهل في التعامل مع موضوع انتقال الصغير إلى مدرسة جديدة، بحكمة:
1 يجدر بالأهل أن يتفهّموا ويدركوا الصعوبات النفسية التي يمرّ بها الصغير في هذه المرحلة، وأن يستثمروا كلّ فرصة من أجل إشراكه في عمليّة الإنتقال وجعله جزءاً من القرار، خصوصاً في ما يتعلّق بالمدرسة التي سينتقل إليها، وأن يساعدوه على تكوين فكرة ولو بسيطة عن البيئة الجديدة التي سيعيش فيها، وذلك من خلال القيام بزيارة مسبقة للمدرسة أو اطلاعه على المبنى، ولو حتى بالصور. إن هذا الأمر يساعد في التخفيف من مشاعر الخوف والقلق لديه، وعلى الأهل أن يحذروا من مفاجأة الصغير بهذا الإنتقال وألا يرموه في هذا العالم الجديد بدون مقدّمات!
2 يجدر بالأم أو الأب التحدّث للصغير عن تجاربهما المماثلة أو القريبة من هذه التجربة التي يمرّ بها، مثل ذكرياتهما ومشاعرهما في اليوم الأول من دخول المستشفى أو السفر بعيداً عن العائلة أو المبيت عند أقارب لا يعرفونهما مسبقاً أو ما شابه ذلك. إن شريط الذكريات يمكن أن يقوّي من عزيمة الصغير ويهيّئه لمواجهة التحدّي الجديد، والأهم هو ذكر كل التجارب الجيّدة وغير الجيّدة على السواء، كي يكون للحديث مصداقيّة لدى الطفل.
3 تشجيع الصغير على إقامة علاقات تعارف مع تلميذ أو تلميذين من المدرسة الجديدة كبداية لإدخال الإطمئنان إلى قلبه وشعوره بأنّه سوف لن يكون وحيداً، ممّا يسهل عليه الأمر ويساعده على التأقلم مع الوضع الجديد. ويمكن الإستعانة بمعلّمة الصف لتحقيق هذا الغرض، مع عدم إغفال التواصل المستمر مع إدارة المدرسة.
4 يكون مفيداً لو شرحنا للصغير الأسباب التي دعت العائلة إلى الإنتقال والظروف التي أدّت إلى اتّخاذ هذا القرار، وما إذا كان لهذا الأمر أية تأثيرات إيجابية على الوضع الإجتماعي أو الإقتصادي لكلّ أفراد العائلة. وحينها، سوف يشعر الصغير بأنه جزء من الحل وليس المشكلة وأن انتقاله لم يكن قسرياً.
5 إذا كان للصغير أية اهتمامات رياضية أو فنية أو ثقافية، فإن الإنتماء إلى التجمّعات المدرسية التي تناسب هوايته يمكن أن يساعده كثيراً في إقامة علاقات جديدة ويعزّز من علاقته بالمدرسة. وبالطبع، سوف يجد في هذه التجمّعات من يشاركه الإهتمامات عينها وسيفاجأ بحجم التعاون الذي سيلمسه من صديق أو أكثر والدور الكبير الذي يلعبه في تقديمه للآخرين.
6 في الأيّام الأولى، يكون فراق الأصدقاء القدامى صعباً على نفس الصغير، خصوصاً مع عدم وجود أصدقاء جدد يعوّضون هذا الفقدان. وفي هذا الإطار، يجدر بالأهل تشجيع الصغير على الإتصال بأصدقائه القدامى عن طريق الهاتف أو البريد الإلكتروني، ليحكي لهم عن تجربته الجديدة ويشعر معهم بالأمان.
7 يمكن النظر للإنتقال إلى مدرسة جديدة من منظار إيجابي في بعض الأحيان، فربما يكون الصغير غير سعيد في المدرسة السابقة وعنده خلافات مع الطلاب أو المعلّمين. وبذا، تكون المدرسة الجديدة فرصةً لبدء مرحلة جديدة ونسيان ما مضى والإستفادة من التجربة السابقة وعدم تكرار الأخطاء. ويمكن طمأنة الصغير على مستقبله والتأكيد على أن المدرسة الجديدة هي فرصته لإصلاح ما فات.
8 لا
تخبروا الصغير عن تجاربكم السلبيّة التي مررتم بها في فترة الطفولة لأن هذا الأمر يزيد من مخاوفه وقلقه، ولا تفرطوا أيضاً في تطمينه كي
لا تحصلوا على نتائج عكسية، لأن أمام الصغير كثيراً من السيناريوهات التي لا نستطيع التكهّن بها. ولذا، من الأفضل مسك العصا من الوسط والتصرّف بواقعية.
9 جنّبوا الصغير أي موقف محرج في أيّامه الأولى في المدرسة، كعدم دفع المصاريف أو شراء اللوازم المدرسية المطلوبة أو الإلتزام بالزي الرسمي للمدرسة. وتذكّروا أنه في وضع حسّاس، وهو غير مستعدّ نفسياً لسماع أي انتقاد أو توبيخ أو لوم أمام الطلاب الغرباء الذين لا يعرفهم ولا يعرفونه.
10 يجدر بالأهل أن يعطوا لأولادهم مزيداً من الوقت، وأن يشاركوهم التجربة عن طريق الإصغاء والتفاعل مع ما يقوله الصغير والإبتعاد عن أسلوب النصائح الجاهزة والمثاليّة. وإذا شعر الأهل بأي اختلاف في سلوك الصغير أو أي تصرّف غير معهود منه، يمكن استشارة اختصاصي نفسي أو مناقشة الأمر مع معلّمة الصف.