يقود فعل تشويه الأم لصورة الأب في عينيّ الطفل إلى إصابته بالقلق النفسي وباضطراب في تكوين هويته، ما يشكّل أبرز سبب لانحرافه في مرحلة المراهقة. الاختصاصية النفسية ناهد السعيد توضح مساوئ هذا التصرّف الذي تقترفه بعض الأمهات.
مهما كان الخلاف مع الزوج مستعراً، يجدر بالأم إدراك أن تعرية عيوب الوالد أمام الطفل قد يجعله يقلّد أباه في انحرافه ولا يتعاطف معها
من المعلوم، أن ثمة ميلاً نفسياً طبيعياً يدفع الصبي إلى التشبّه بأبيه ويعتبره مثالاً يحلم بأن يشابهه، كما أن الفتاة تأخذ من صورة أبيها بعض الصفات الهامّة لتكوين شخصيتها وبنائها الخلقي. وبالطبع، إن هذا «التقمّص» إيجابي ويصبّ في مصلحة الأبناء عندما تكون العلاقة بين الطفل ووالديه دافئة ترتكز على الحب، خصوصاً عندما يمضي الأب والأم وقتاً طويلاً مع الطفل، يعلّمانه مكارم الأخلاق ويقوّمان سلوكياته. وتكتمل هذه الصورة عندما يرى الطفل والديه في مواقف حياتية مختلفة، ويلاحظ المبادئ والأخلاقيات التي تحكم سلوكهما، ويتأكّد بنفسه من أنّ الآداب والتعليمات التي يلقيانها على مسامعه ليست مجرّد أقوال، وإنما يمكن ترجمتها بأفعال ومواقف. أمّا إذا كان هناك تناقض بين النصائح التي تقدّم للأبناء وما يحدث في الواقع من أفعال، فلا يجدر بالأبوين أن ينتظرا الثمرة المرجوّة من تربية أبنائهما!
أثناء الغضب
تخطئ غالبيّة الأمهات حين تتحدّث عن زوجها سلباً أمام الطفل. ومهما كانت الحجّة التي تسوقها، على غرار أن الغضب والانفعال هما ما يدفعانها إلى اقتراف هذا الأمر وأنّ الخلافات التي تحدث بين زوجها وبينها تفقدها صوابها وتجعلها تتحدّث بالسوء عنه أو تقوم بتعرية عيوبه أمام أولادها، إلا أنّها تغفل حقيقة أنّ الأولاد يمكن أن يقلّدوا آباءهم في انحرافهم يتعاطفون معها إذا كانوا يحبون أباهم، فالحب يجعلهم يتغاضون عن عيوبه ويميلون إلى التشبّه به رغم معرفتهم أنه منحرف!
وإذا كان الأب يشكو من عيوب أو انحرافات، فإنّ خير ما تفعله الأم، إن كانت تحرص على تربية أبنائها وتهتم بتكوين شخصياتهم وأخلاقهم على الوجه الأكمل، هو أن تتستّر على تلك السلبيات في شخصية الأب وأن تحافظ على صورته في عيونهم. ويجدر التنبيه إلى ضرورة أن تتمّ المناقشات الحادّة والشجارات في معزل عن الطفل، وأن تحاول الأم كبت غضبها من زوجها وتتجنّب بثّ همومها ومعاناتها لأبنائها لأنّ ذلك ضار للغاية بنفسياتهم، فإن كتمان الأمر خير لها من انحراف أولادها ووقوعهم في ما لا تحمد عقباه.
وبالطبع، إن مشهد الضحيّة التي ترغب بعض الأمهات في تسويقه لدى أبنائها، يجعلها تعظّم من شأن الأب وتمنحه دور المهيمن الذي لا يقهر لدى أطفاله. وبالطبع، يميل الأطفال إلى تقمّص هذا الدور ولا يلتفتون إلى الضحيّة، وتدريجياً تفقد تعاطفهم معها.
توكيل الأم؟!
وبالمقابل، يخطئ الأب الذي يهمل المشاركة في تربية أبنائه ويمنح الأم تفويضاً في تولّي زمام أمورهم ويكتفي بالعمل من أجل توفير المال لتغطية نفقات البيت والأبناء. فدور الأبوة يشكّل المثال الأعلى ومصدر التوازن وصمّام الأمان في مواجهة عاطفة الأم بالعقلانية والحزم.
ويؤكّد التحليل النفسي على التأثير المباشر للعوامل البيئية، وخصوصاً تأثير الآباء في التعايش أو ما يسمّى بـ «الوراثة السيكولوجية» أنه لا يوجد في حقيقة الأمر أطفال ذوو مشاكل نفسية وإنما يوجد آباء وأمهات يقودون إلى هذا الأمر وأنّ العلاقات بين الأبناء والآباء تؤثّر في التكوين النفسي للطفل. وعندما تفشل الأسرة في توفير المناخ السوي، لا يتحقّق الانسجام بين أفرادها ويكون الباب مفتوحاً لاضطرابات تعتريها وتحوّلها إلى بؤرة مولّدة للانحراف.
متى يحتاج الطفل إلى أبيه؟
يقول علماء النفس إنّ الأم تعتبر مسؤولة عن الطفولة المبكرة لأبنائها منذ الولادة وحتى سن 4 سنوات، وبالطبع يكون دور الأب هامشياً في هذه المرحلة بنظر الطفل. ولكن، تتشكّل في المرحلة الممتدّة من سنّ 4 إلى 7 سنوات المحاولات الأولى الفطرية عند الذكر لتكوين رجولته وشخصيته، فيبدأ الولد الإنسحاب من عالم الأنوثة الذي أحاط به ويبتعد عن أمّه رويداً رويداً ويقترب من أبيه. ويحاول الولد أن يقلّد سلوك أبيه وأن يحاكيه بمنتهى الدقّة، فيلبس مثله ويقف أمام المرآة ويمثّل أنه يحلق ذقنه ويحاول التصرّف بشكل يلفت انتباه أبيه ليؤكّد أنه ينتمي إلى عالم الذكورة. ويحرم ابتعاد الأب عن ابنه في هذه السن من أهم غريزة فطرية، ما يولّد معاناةً في داخله. وممّا لا شك فيه أنّ المطلّقة التي تربّي طفلها بعيداً عن أبيه في هذه المرحلة تعاني معاناةً شديدةً.
وتكمن المرحلة الثانية في احتياج الطفل لوالده عند بداية المراهقة، وذلك حين يعاني اضطرابات نفسية وجسدية. فالبنت تحتاج إلى الحماية والأمان من الأب، فيما الصبي يحتاج إلى القدوة والاحتواء منه. وممّا لا شك فيه أنّ التربية بالقدوة هي القاعدة الأساسية في غرس القيم والأسس التربوية السليمة.
يميل الصبي في سن صغيرة إلى التشبه بوالده