أثبتت الدراسات الحديثة أن هناك نوعين من التلعثم الكلامي لدى الطفل، هما:
"التأتأة"العادية غير المقلقة والتي تصاحب الطفل حتى سن الثالثة أو الرابعة وتتوقّف في سن الخامسة."التأتاة" المزمنة والتي تتجاوز سن الخامسة وتنتج عن حدوث خلل في اللفظ وضعف في انسياب الكلمات، ممّا يؤدّي إلى صعوبة في النطق والتعبير عمّا يريده الطفل، إذ تتفوّق الأفكار الكامنة في ذهنه على إيجاد الكلمات المناسبة لها، فيجد صعوبة بالغة في إيصال فكرته والتعبير عن نفسه.
"سيدتي" اطّلعت من استشارية العلاقات الأسرية في مركز «إيلاف» الدكتورة عفاف زقزوق على الأسباب المسؤولة عن مشكلة التلعثم لدى الطفل، وكيفية مواجهتها تفادياً لتفاقمها.
|
ثمة أسباب عدّة مسؤولة عن مشكلة التلعثم لدى الأطفال، أبرزها: الإنفعال الزائد أو الإصابة بمشكلة نفسية أو عاطفية ناتجة عن قلق أو توتر أو عدم ثقة بالنفس أو الضعف في شخصية الطفل، فضلاً عن دور العامل الوراثي، إذ وجدت نتائج بعض الدراسات أن نسبة التلعثم ترتفع ثلاثة أضعاف داخل الأسر التي سجّلت فيها حالات سابقة مقارنة مع الأسر الأخرى التي لم تظهر لديها هذه المشكلة من قبل.
وتعدّد الدكتورة زقزوق أكثر صور التلعثم شيوعاً بين الأطفال البالغين خمس سنوات من أعمارهم، والتي يجدر بالأم معرفتها لإمكانية معالجتها والتعامل معها بالشكل المناسب، وأبرزها:
التكرار: يقوم الطفل بتكرار جزء معيّن من الكلام مرّات عدّة، كتكرار كلمة «ماما» في الجملة الواحدة أو أداء أصوات معيّنة أو مصطلحات معيّنة للتعبير عمّا يريده بسهولة.
المدّ والإطالة: يصدر الطفل أصواتاً معيّنةً مصحوبة بـ "مد أو إطالة" إضافية، مثلاً: "أريد أن ألعـ......ب". وقد تأتي الإطالة بشكل هادئ أو متوتر، كما لو أن الطفل يدفع الصوت دفعاً ليخرج الكلمات من فمه.
التردّد: يقوم الطفل بوقفات أثناء الكلام، وغالباً ما تحدث هذه الحالة عند بداية الحديث، وقد تلاحظ الأم أن صغيرها يبذل جهداً إضافياً لكي يبدأ بالتعبير عن نفسه أو قد تكون هناك فجوات بين الكلمات في الجملة الواحدة، ممّا يدلّ على عدم معرفته بطريقة استخدام الكلمة المناسبة وتردّده الواضح في إيجاد وتوظيف أفضل المعاني الصحيحة التي يعبّر من خلالها عن نفسه.
الوجوم: في كثير من الأحيان، قد يبدو الطفل مصاباً بحالة من الوجوم للحظات قبل النطق بالكلمة أو حتى وسط النطق بها كأن العضلات المساعدة على النطق لديه تجمّدت فجأة، وذلك حتى تأتي اللحظة المناسبة التي يذوب فيها الجليد وتعود العضلات للعمل من جديد!
الحركات الإيمائية: كثيراً ما يقوم الطفل بحركات بواسطة وجهه أو جسمه تصاحب محاولاته في الكلام، فقد يكثر على سبيل المثال الرمش بعينه أو ضرب الأرض بقدميه تعبيراً عن استيائه من أمر معيّن، ممّا يساعده على إخراج الكلمات وسهولة إطلاقها. وبالطبع، يعتاد على القيام بهذه الحركات حينما يواجه صعوبة في نطق الكلمات عينها، ممّا يحوّلها إلى عادة تصاحبه.
أنواع التلعثم
هناك أنواع ثلاثة لمشكلة التلعثم لدى الطفل، هي:
التلعثم المبكر: يعتبر من بين أكثر أنواع التلعثم شيوعاً بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة والنصف والخامسة. ومن الملاحظ أنه يصعب التمييز، في هذه المرحلة، بين التلعثم المبكر (عدم الطلاقة في الكلام) والذي سوف يختفي بعد مدّة زمنية وبين التلعثم الذي سيلازم الطفل في ما بعد. لذا، يجب عدم استخدام كلمة "تلعثم" لوصف "تأتأة" الطفل في سنه المبكرة، إذ لا تتوافر المعلومات الكافية لمعرفة ما إذا كان الخلل في نطق الكلمات لدى الطفل في هذه السن لا يعدو كونه مرحلة من التطوّر الطبيعي أم أنه سيؤدّي إلى تلعثم حقيقي في الكبر. وفي هذا الإطار، أثبتت نتائج الدراسات الحديثة المتخصّصة بعلم التخاطب أن 80% من الأطفال الذين يعانون من مشكلة عدم الطلاقة المبكرة يتكلّمون بصورة طبيعية حين يكبرون، بدون أية مساعدة طبية.
التلعثم المتوسّط: يبدأ الطفل، في هذه المرحلة، بتكوين ردود فعل سلبية نحو مشكلة التلعثم، فيشعر بالإحراج أو الإنزعاج الشديد بصورة دائمة من جرّاء ذلك، فيحاول دائماً إخفاء أو تجنّب إظهار تلعثمه أمام الغرباء، ممّا يجعله يشعر بصعوبة بالغة لدى إخراج الكلمات فيدفعها دفعاً، ممّا يولّد لديه حالة من القلق والتوتر قد تؤدّي في بعض الأحيان إلى بروز أوردة الرقبة في محاولة منه لإخفاء تلعثمه. كما قد تظهر حركات معيّنة ترافق جهود الطفل لدى نطق الكلمات كتحريك يده في الهواء للتعبير عمّا يريده، فضلاً عن قيامه ببعض التصرّفات السلبية كأن يصبح أقل ميلاً للخروج وانطوائياً وعدوانياً وشديد الحساسية للنقد وسريع البكاء.
التلعثم الأكيد: لعلّ إحدى خصائص هذه المرحلة التي تصيب الطفل بعد سنّ الخامسة تتمثّل في إصابته بنوبات من التوتر الشديد المصاحبة للتلعثم والتي قد تتسبّب في انتهاجه عادات غير صحيحة كقيامه بالتنفّس من خلال الجزء الأعلى من صدره، ممّا يعني أنه لم يأخذ الكمية الكافية من الهواء التي تمكّنه من الإستمرار في الكلام بالشكل السليم أو إصابته بمشاعر القلق التي تدفعه إلى السؤال باستمرار حول ما إذا كان «متأخّراً» أو «طبيعياً». وينصح، في هذه المرحلة، بعرض الطفل على اختصاصي تقويم نطق أو تخاطب.
نصائح سلوكية
تفيد هذه النصائح في التغلّب على "تأتأة" الطفل البالغ ثلاث سنوات ونصفاً من عمره:
تقبّلي طفلك كما هو في هذه المرحلة بدون السخرية منه أو مقاطعة كلامه. ومعلوم أن تكرار السخرية منه قد يفاقم المشكلة، ويولّد لديه عقدة نفسية تلازمه لفترات طويلة من حياته.
إلتزمي الهدوء لدى الإستماع إلى طفلك، وساعديه على تصحيح الخطأ الذي يقع فيه عند محاولته نطق بعض الكلمات، مستخدمة عبارات قصيرة وسهلة الفهم من قبله.
أعيدي على مسامع طفلك لفظ بعض الكلمات التي يصعب عليه نطقها بالشكل الصحيح بصورة سليمة، وشجّعيه على لفظها بتأنٍ بدون إرباك أو إلحاح لمنحه الثقة والراحة النفسية.
إمنحيه مزيداً من الثقة أمام الجميع بعدم محاسبته على ألفاظه وتركه يتحدّث على راحته حتى الفراغ من جملته.
أبعديه عن مواقف تثير قلقه وانفعاله وتجعله غير قادر على التعبير عن نفسه بنطق الكلمات المؤدّية لذلك، ممّا يتسبّب في إحراجه أمام أقرانه.
عزّزي عوامل الطمأنينة لدى طفلك تجاه حالته وقدّمي له يد العون التي تؤهّله لتقبّل وضعه من دون قلق أو خوف.
شاركيه علاقاته بأصدقائه من خلال إقامتك حفلات أو مسابقات منزلية تساعده على الإختلاط وتجنّبه الإنطوائية، ممّا يعمل على تحسين حالته ويزيد ثقته بنفسه.