كيف تربّين طفلاً مسؤولاً؟

 

قد يتراءى للبعض أن الاتكاليّة سمة عامة لدى غالبيّة الأطفال، وأنه من البديهي أن يحيل الصغير أموره وتفاصيلها إلى الغير للقيام بها وإنجازها بدلاً منه، إلا أن ثمّة فئة تعكس الآية، حيث نجدها تتحلّى بقدر وافٍ من الإحساس بالمسؤولية وحسن الرعاية والاهتمام بالآخرين فضلاً عن اهتمامها بنفسها.
كيف تربّين طفلاً مسؤولاً قادراً على الاهتمام بنفسه وبالآخرين؟ وهل الإحساس بالمسؤولية فطرة أم سلوك نكتسبه؟ وما هي دوافع وانعكاسات امتلاك الطفل قدراً من المسؤولية على تكوين شخصيته؟
الاختصاصية في علم النفس التربوي الدكتورة بشرى قبيسي تطلع قارئات «سيدتي» عن صفات الطفل المسؤول:

المسؤولية هي معرفة الطفل بأن ثمة واجبات ملقاة على عاتقه لا بدّ له من الإتيان بها، على أن تكون بالطبع مناسبة للمرحلة العمرية التي يمرّ بها بحيث
لا تشكّل عبئاً ثقيلاً عليه وضغطاً مزعجاً، سواء نفسياً أو جسدياً. كما تشمل القدرة على التعبير براحة نابعة من ثقة بالنفس عالية مصحوبة بالمبادرة والإقدام.
لدى كل الأطفال استعداد فطريّ لتحمّل المسؤولية والتدرّب على القيام بها وتعلّم مبادئها وقوانينها، حيث يشبّه الكثيرون الطفل بـ«الاسفنجة» القابلة لامتصاص سمات المحيط الموجودة فيه. بمعنى آخر، إن البذرة موجودة داخل كل طفل، ولكنها تحتاج إلى بيئة صالحة تتولّى الرعاية والاهتمام والتدريب والتعليم لكي تنمو وتثمر شخصية مسؤولة فعّالة في محيطها الأسري، والمجتمعي تالياً.

 



التربية والتدريب

بات من غير المستغرب الحديث عن تأثير المرحلة الرحمية في تكوين شخصية الطفل النفسية. من هنا، تبدأ الخطوات الأولى في التربية الواجب مراعاتها من قبل الوالدين، حيث يتوجّب عليهما توفير «بيئة رحمية» هادئة ومناسبة، بعيداً عن الانفعالات المبالغ بها والمشاعر والأفكار السلبية شديدة الوطأة على الجنين، ما يعكّر صفو عالمه الرقيق.
بعدها، تأتي مرحلة الطفولة المبكرة والتي يعتمد خلالها الطفل على حاستي السمع والبصر بشكل أساسي حتى يكاد يشبه آلتي التصوير والتسجيل، حيث لا يغفل تفصيلاً أو إشارةً إلا ويلتقطها. وفي هذه المرحلة، يقوم الطفل بتخزين كل ما تقع عليه عيناه أو تسمعه أذناه. لذا، ينبغي بالأهل مراعاة العبارات التي تصدر عنهم أو التصرّفات والسلوكيات التي تطبع يوميّاتهم.
وفي الموازاة، يجدر الحرص على تلقين الطفل وتدريبه على تحمّل المسؤولية، وذلك بالطلب إليه القيام ببعض الوظائف البسيطة والسهلة والتي تتناسب مع سنّه وقدراته (إعادة ألعابه إلى مكانها بعد فراغه من اللهو بها، وضع ملابسه في أماكن محدّدة، المساهمة بقدر بسيط في الاهتمام بأخيه الأصغر...).
في المقابل، يجب ألا تغيب عبارات المديح والثناء عن مسامعه، لتشجيعه على المثابرة ولتعزيز ثقته بنفسه، والتأكيد أن ما يقوم به هو أمر محمود، ومقدّر ويستحقّ المكافأة عليه.
وتجدر الإشارة إلى ضرورة التوازن وتجنّب المبالغة في ردّ فعل الأهل، سواء سلباً أو إيجاباً، فخير الأمور الوسط، بحيث لا يتمّ تجاهل إنجازات الطفل وأفعاله المسؤولة أو المبالغة في المديح والتطرّف في تقدير أي عمل يقدم عليه أو التفاتة يبادر بها. وفي هذا الإطار، من البديهي الإشارة إلى تفادي أن تكون المكافأة مادية بحتة.
أمّا في مرحلة الطفولة المتأخّرة أو ما يسمّى
بـ «مرحلة الكمون» أي ما قبل المراهقة، حيث تشتدّ الانفعالات والتساؤلات مختلفة الأوجه لتطال الأفكار والقيم والسلوكيات التي دأب الأهل على غرسها في شخصيته، ليضعها أمامه على طاولة البحث ويجري التنقيب فيها لتعديل بعضها ورفض بعضها الآخر، وتبنّي ما يراه مناسباً ومنسجماً مع شخصيته التي بدأت تقترب من سنّ المراهقة أي سنّ التمرّد والثورة. لذا، فكلّما أجاد الأهل في اتّباع أسلوب تربوي سليم في تعزيز روح المسؤولية في شخصية الطفل، كلّما ترسّخت هذه السمة في سلوكياته لاحقاً في مجتمعه الذي بدأ يتخطّى أسوار منزله ومدرسته. ويحبّذ في هذه المرحلة تشجيع الطفل على الالتحاق بنشاطات جماعية (الكشافة) ليتعزّز في داخله الإحساس بالمسؤولية تجاه المحيطين به.

 

 


دوافع وانعكاسات

يصعب تحديد الدوافع الحقيقية لقيام الطفل بالاهتمام بالآخرين، لكن لعلّ أبرزها وأشدّها تأثيراً هي التربية والتدريب منذ نعومة أظفاره على إدراك معنى الحقوق والواجبات وضرورة الإتيان بها لتنتظم الأمور وتسير بالشكل الصحيح. أمّا الانعكاسات الإيجابية لذلك فتتجلّى بصور عدّة، منها:

الثقة بالنفس: يشعر الطفل بعد إتمامه مهمّة محدّدة، سواء تعلّقت به شخصياً أو بغيره من الأطفال، بثقة شديدة بالنفس تزداد لدى سماعه عبارات الثناء والتشجيع.

الجرأة في التعبير عن الرأي والمناقشة: يتمتّع الطفل المسؤول بالقدرة على التعبير والدفاع عن وجهة نظره وتبرير ما قام به من عناية أو اهتمام.

 المبادرة: إن تعويد الطفل على القيام بواجبات محدّدة تتناسب وسنّه، يدفعه للقيام بالمبادرات بعيداً عن الاتكالية والتردّد.

 بناء علاقات اجتماعية: يتّسم الطفل المسؤول بشخصية منفتحة على الغير وسهلة التعامل مع المحيط ومتعاونة، ما يسمح له ببناء صداقات جيدة.

 

 

 


خطوات عمليّة

قيل قديماً: «ازرع تحصد»، وهو مبدأ يصحّ في المهمّة التربوية الملقاة على عاتق الأهل، حيث يمثّل ابنك نتاجاً حقيقياً لجهودك وأسلوبك في تنشئته. لذا، حريّ بك اتّباع بعض النصائح المفيدة في هذا المجال:

ينبغي بالوالدين توفير بيئة مريحة ومنفتحة تعتمد الحوار أسلوباً رئيساً في تلقين الطفل ضرورة القيام ببعض الواجبات، سواء الشخصية أو تلك التي تتعلّق بالآخرين.

 تدريب الطفل على القيام بأمور بسيطة (طريقة تناول الطعام، ترتيب الكتب والثياب والألعاب بعد الفراغ منها، الاهتمام بمن يصغره من الإخوة، العناية بنظافته الشخصية...). وتجدر الإشارة إلى ضرورة مخاطبته والطلب إليه بأسلوب لطيف وهادئ وكلمات تنمّ عن محبة وثقة بمقدرته وذكائه.

ترديد كلمات الثناء والمديح، لكن بدون مبالغة، لتشجيعه وإشعاره بأننا نقدّر ما قام به ونثمّنه وبأنه شخص فعّال وذو فائدة ودور لا يغفله أحد.

مشاركة المدرسة في التوجيه والتربية لتكوين شخصية الطفل المسؤول، حيث تشكّل المدرسة المجتمع الأكبر بالنسبة إليه، مع اختلاطه بالعديد من أقرانه متعدّدي الطبائع والعادات.

الاستفادة من القصص والأفلام التي يتابعها الطفل بحضور الأهل، حيث يدور نقاش حول الشخصيات وتحليل السلوك والمواقف والثناء على الإيجابية منها، وتعليل ذلك ببساطة ووضوح، ونقد تلك السلبية وتذكيره بضرورة تجنّب الأفعال السيّئة مع تبيان نتائجها غير المحمودة.