لا يعرف طريقةً أخرى للتعبير عن استيائه!


في كثير من الأحيان، تتعالى صيحات الأمهات بسبب ألفاظ غير لائقة وبذيئة يتفوّه بها أبناؤهم، حين يعبّرون عن استيائهم حول رغبة ما لم تحقّق لهم. ويزداد حنق الأمهات في غياب أحد في محيط المنزل يستعمل هذه الألفاظ، مما يعني أن الطفل استوحاها من خارج محيط الأسرة.

الإختصاصية في علم نفس الطفولة سعاد محمد المحمودي تطلع قارئات "سيدتي" على أسباب هذه المشكلة، وطريقة تقويمها.

لا يدرك الطفل في سنّ صغيرة كيف تؤثّر كلماته في الآخرين. وهنا، يأتي دور الأم في الإشارة إليه، حين يلفظ كلمة نابيةً، بخطورة الأمر، فضلاً عن إفهامه أنه يغضب الجميع بهذا الكلام والتحدّث إليه عن تقاليد العائلة الصارمة في ما يتعلّق بالشتم. ولا بدّ من غرس في نفسه، ومنذ نعومة أظفاره، مبادئ الدين الحنيف الذي يحثّنا على التمتّع بأخلاق حميدة ونظافة القلب واللسان. 

وبصورة نسبية، يصدم معظم الآباء حينما يسمعون أطفالهم، للمرّة الأولى، يتلفّظون بألفاظ سوقية أو نابية أو يحكون، بكل مرح، نكتة بذيئة للآخرين. وإذ يستخدم بعضهم وسيلةً صارمةً للنهي عن هذا التصرّف، يعتقد آخرون بأن عدم الرد يعني تجاهل وحرمان الطفل من الإنتباه الذي يحاول أن يستجلبه عن طريق هذه المشاكسات.

وفي هذا الإطار، تشدّد المحمودي على أن كلا الطريقتين لا تحقّقان الهدف المنشود بطريقة تامّة، إذ إن الحلّ يكمن في التعرّف على دوافع الطفل لاستخدام هذه اللغة.  

 

"اللغة الممنوعة"


بين سنّ الخمس إلى ست سنوات، تنتقل غالبية الأطفال إلى مرحلة تتجاوز "البراءة الطفولية"، فتقوم بالتلاعب بـ "اللغة الممنوعة" التي ليس لها فيها باع طويل، علماً أن محصّلة الكلمات اللفظية لديها تتنامى بصورة أكثر تعقيداً، وهي تشعر بسعادة حال استخدامها لكلمات جديدة. وفي الوقت نفسه، يلتحق الأولاد، في هذه المرحلة، بالمدرسة ويتعرّضون لتأثيرات عدّة ويتعرّفون على شخصيات من خارج بيئتهم المنزلية. من هنا، تتعدّد لديهم المصادر لاكتساب اللغة (الأصدقاء والأخوة الكبار والبالغون المحيطون بهم والتلفزيون).

وفي الموازاة، يشكّل تقليد طريقة كلام أخ أكبر أو زميل يحبّه أو حتى تقليد ردود أفعالك أنت تجاه بعض الأحداث أو الإخفاقات، أساليباً يتّخذها الطفل في محاولاته لأن يصبح أكثر نضجاً كما يتصوّر، إذ إنه عادةً لا يدرك المعاني الحقيقية للكلمات. فالطفل، في سنّ المدرسة، لا يستطيع أن يدرك لماذا يعتبر ذكره كلمات تتعلّق بالجنس بين زملائه أو مصطلحات نابية حينما يخسر فريقه مباراة رياضية، أمراً غير مقبول، خصوصاً إذا كان أحد الأبوين يستخدم هذه الألفاظ.

 

الحوار أولا ً


لكن، كيف يمكن للأم أن تبدّل هذه الألفاظ التي اكتسبها ابنها؟

في هذا الإطار، يجدر بالأم، عند سماعها طفلها يتلفّظ بكلام غير مقبول، أن تبادره بالسؤال: "عندما قلت هذه الكلمة: ماذا تعتقد كان شعوري؟ هل أردتني أن أكون متضايقةً؟". ويجدر بها ألا تتردّد في اكتشاف ردوده، ولكن بطريقة لا تخلو من التعاطف، ما يؤدّي إلى تركيز اهتمامها على المشاعر التي أدّت به للشتم أكثر من الكلمات النابية نفسها. ومن الضروري أن تعلميه أنك تتعاطفين مع مشاعره، لكنك لا تؤيّدين الطريقة التي يعبّر فيها عن هذه المشاعر. ومهما كان السبب، قومي بتشجيع طفلك على أن ينفتح معك بخصوص أي شعور قد يكون سبباً في استخدامه للكلمات غير اللائقة، إذ عادةً ما يشتم الطفل لأنه لا يعرف طريقةً أخرى للتعبير عن مشاعر الإستياء لديه. وعلى أية حال، فبإمكانه أن يكتشف بطريقة مأمونة هذه المشاعر تجاه والديه أو أخوته أو معلّميه أو زملائه في الفصل، وذلك بالتنفيس عنها من خلال "اللعب التمثيلي"، الذي يحاكي فيه أدوار الكبار ويتقمّص شخصياتهم.

وبالطبع، يحتاج الطفل أن يحدّد له أبواه الخطوط الإرشادية في هذا الخصوص، كما يحتاج أن يرى فيهما قدوةً حسنةً يحتذي بها. وفي الواقع، يشكّل تعنيفه، حال تلفّظه بكلمة بذيئة خصوصاً أمام الآخرين، إلى عكس النتائج المرجوّة. ويمكنك الإستعاضة عن ذلك، بغضّ الطرف لبرهة، إلى أن تجدين الفرصة التي تكونان فيها بمفردكما، ثم اسأليه عن مصدر هذه الكلمة. وإذا كان هذا الأخير يتمثّل في أفراد العائلة، عليك أن تكافحي الأمر.