المؤمن في هذه الحياة مبتلى وله من الأجر على قدر صبره على هذا البلاء فعلى المرء الصبر والاحتساب والرضا رجاء ما عند الوهاب من الثواب، وحول ما ينتاب المؤمن من الابتلاءات، وماذا يجب عليه إزاءها كان لنا هذا الحوار مع فضيلة الشيخ د. عبد الرحمن بن عبد الله المخضوب، عضو هيئة التدريس بقسم الفقه بكلية الشريعة بالرياض.
فضيلة الشيخ، ما أثر البلاء في الدنيا على المبتلين، وما مدى ارتباطه بصلاح العبد؟
المؤمن كثير الآلام في بدنه أو أهله أو ماله، وذلك مكفر لسيئاته ورافع لدرجاته بإذن الله تعالى، وأما الكافر فقليلها وإن وقع به شيء لم يكفر من سيئاته، بل يأتي بها يوم القيامة كاملة، روى الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد عن مصعب بن سعد عن أبيه قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلى حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه من خطيئة». وابتلى الرسول حتى قال والذين آمنوا معه من شدة البلاء متى نصر الله قالت عائشة: لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم وقرأت هذه الآية: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء).
ما الحكمة من ابتلاء الله للعبد بالأمراض؟
إن الله يبتلي عباده بالأمراض والأسقام، وهي وإن كانت ذات مرارة وثقل واشتداد وعراك، إلا أن الباري جعل لها حكماً وفوائد، فقد تكون هبة من الله ليكفر بها الخطايا ويرفع بها الدرجات، روى البخاري ومسلم عن رسول الله أنه قال: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها». ولقد عاد رسول الله مريضاً من وعك كان به فقال أبشر فإن الله عز وجل يقول: «هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة» رواه أحمد وابن ماجة، والوعك هو الحمى، فمن هنا نعلم عباد الله ثمرات المرض ومذاقه، وإن كان أمر من العلقم المذاب، إلا أن عواقبه أحلى من الشهد المصفى، فعلام يتضجر العبد من المرض يصيبه أو يسبه ويشتمه أو يعلل نفسه بليت وليت وهل ينفع شيئاً ليت فمن رضي بقضاء الله فله الرضا بثوابه ومن سخط على قضاء الله فله السخط بعقابه، روى الترمذي بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله: «يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض» وأصيب أحد السلف بمرض في قدمه فلم يتوجع ولم يتأوه، بل ابتسم واسترجع فقيل له: يصيبك هذا ولا تتوجع فقال: إن حلاوة ثوابه أنستني مرارة وجعه.
والمرض ليس مقصوداً لذاته وإنما لما يفضي إليه من الصبر والاحتساب وحسن التوبة وحمد المنعم على كل حال ولا يتمنى العبد البلاء بل يسأل الله العفو والعافية،وإذا بليتم فاصبروا.
من المرضى من يستهين بأمر الصلاة والطهارة فيؤخر الصلاة وهو مستطيع أو لا يتضرر ما حكم ذلك؟
- ليعلم المرضى أنه لا ينبغي التهاون بالصلاة حال المرض، فيجب أن يصلي الصلوات الخمس في وقتها إن استطاع، فإن لم يستطع جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء رخصة من الشارع الحكيم، كما يجب عليه أن يتطهر للصلاة التطهر الشرعي، فإن لم يستطع فإنه يتيمم، فإن لم يستطع فإنه يصلي على حسب حاله ولا يفوت الصلاة عن وقتها، فاتقوا الله ما استطعتم ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. ثم ليعلم المرضى أن الأنين والتوجع له حالتان كما ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ أنين شكوى فيكره، وأنين استراحة وتفريج فلا يكره.