د.صلاح الجعفراوي في حوار مع «سيدتي»:التحديات كثيرة في مقدمتها الدعاة وأئمة المساجد

كنت رئيسا للمركز الإسلامي في ألمانيا... حدثنا عن أبرز الأحداث التي أثرت على المسلمين هناك؟

لا أحد ينسى حادثة مروة الشربيني والتي تأثرنا بها، والتي راحت ضحية التطرف قبل عامين، والمشهورة باسم شهيدة الحجاب، أيضا مئذنة مسجد أبو بكر الصديق في فرانكفورت واجهت أزمة، وتم تخفيض ارتفاعها إلى 12.5 متر برغم وجود برج التليفزيون بالقرب منها بارتفاع 100 متر.

 

< كيف ترى بصفتك الأمين العام المساعد للمؤتمر الإسلامي الأوربي ما ذهبت إليه سويسرا في منع المآذن، وفرنسا في منع الحجاب؟

هذه المبادرات ضد الإسلام والمسلمين من قبل بعض الدوائر الرسمية الأوربية، وبسبب التخوف من الإسلام والمسلمين و«أسلمة أوربا»، ونحن استغربنا من هذا الاستفتاء الذي أجري في سويسرا لمنع المآذن، وكان يجب ألا يجري في بلد من المفترض أنه يحترم الحريات والقانون مثل سويسرا، ونحن لا نريد تغيير الدين والثقافة؛ لأننا نعلم جيدا أن ثقافة أوربا ثقافة مسيحية، ولكن نريد أن نعيش كأقلية لها حقوقها، وميثاق الأمن والتعايش الأوربي ينص في أحد بنوده على ضرورة الحفاظ على الهوية الثقافية للأقليات الدينية والعرقية، ونحن نريد أن يحترم الأوربيون هذه المواثيق والاتفاقات والقوانين والدساتير التي وضعوها.

 

قطاع عريض

< وكيف تفسر إقدام هذه الدول الأوربية على مثل هذه القرارات التي تؤثر على علاقة دول الشرق الإسلامي بدول الغرب المسيحي؟

ما كان يجب أن يكون هذا القرار في سويسرا كدولة محترمة وشعب هادئ، ويجب ألا يشوه صورته بأن يندفع هذا الاندفاع لإرضاء بعض العنصريين، أو لكسب انتخابي سينتهي قريبا، فعليهم أن يوقنوا أن المسلمين في أوربا قطاع عريض، ويحافظون على الحضارة الأوربية والنسيج الأوربي، وأبناء المسلمين هم أكثر حرصا على أمن أوربا واستقرارها وحضارتها.

< إذن هل كان قرار حظر بناء المآذن بسويسرا ناتجا عن صعود أحزاب اليمين للسلطة؟

صعود اليمين المتطرف حدث بالفعل، لكن كثيرا من الدول الأوربية يحكمها يمين الوسط، ولنا علاقات طيبة في فرنسا وألمانيا وغيرهما، وأنا أستغرب أن تتخذ سويسرا هذه الخطوة الغريبة، وعندما يأتي أي حزب إلى الحكم في أوربا ينظر أولا وأخيرا إلى المصلحة العامة، بدلا من أن ينشر مثل هذه النزعات المتطرفة المسيئة للحضارة والثقافة الأوربية.

< إذن كيف ترى الآن وضع الأقلية المسلمة في أوربا؟

ـ أنا من مسلمي أوربا، ونحن في وضع لا نحسد عليه، وأمام هذه الهجمة الكبيرة لا توجد وسائل إعلام مؤثرة لدينا، ووسائل الإعلام التي توجد في الدول الإسلامية بعضها والكثير منها لم ينضج بعد، ولا يستطيع أن يواجه تلك الحملات التي تجابهنا في أوربا، ونحن نحتاج إلى تعاون المؤسسات الإعلامية الكبرى في المجتمعات الإسلامية؛ حتى نستطيع أن نصل بالتصور الإسلامي الصحيح إلى الشعوب الأوربية، ونخرج من هذا المأزق الذي يسبب لنا متاعب كثيرة تارة في الدنمارك، وأخرى في هولندا، وثالثة في ألمانيا ورابعة في سويسرا، وخامسة في إيطاليا وأخيرا في فرنسا، وذلك من أجل إشغال الأقلية المسلمة بأمور تافهة، وأيضا تثير المجتمعات الأوربية، وتذكي نار الفتنة لدى بعض العنصريين.

< هل القرار السويسري والفرنسي أثر على دول أوربية أخرى؟

بالتأكيد هذا القرار قد يكون له تأثير على دول أوربية أخرى إن لم يكن أثر بالفعل، واتخذت دول أوربية قرارات بمنع النقاب مثل بلجيكا التي صوت برلمانها على ذلك، برغم أن المجتمعات الأوربية أنضج من أن تنساق وراء ذلك، وإذا انساقوا فسوف تصبح –حقيقة- طامة كبرى؛ لذلك أستغرب أن يحدث ذلك في سويسرا بالذات، وكنت لا أظن أن تتأثر الدول الأوربية الأخرى، ولكن بعض الدوائر العنصرية في بعض الدول الأوربية أخذت هذه المبادرة ذريعة؛ حتى تشعل الحملة أكثر ضد الإسلام والمسلمين ليس في أوربا فقط، ولكن في العالم بأسره.

< وهل أضرت تلك المبادرات بسمعة الدول الأوربية عالميا، خاصة أنها تقييد للحريات الدينية التي يكفلها الدستور وحقوق الإنسان؟

في رأيي نحن الشعوب الإسلامية شعوب عاطفية، ومثل هذا الاستفتاء سيؤثر بشكل كبير على المسلمين، وأنا أناشد من موقع المسؤولية المسلمين العاقلين بألا يندفعوا وراء أفعال تسيء إلى روح وسماحة الإسلام، والشعوب الإسلامية لا ترضى بمثل هذه المواقف؛ لأنها جزء من الإسلام في أوربا أو في العالم.

< ما عدد دول المؤتمر الإسلامي الأوربي؟ وأين يقع مقره الرئيس؟ ومن يرأسه حاليا؟

ـ المؤتمر الإسلامي الأوربي يضم 21 دولة أوربية، وله اجتماعات دورية، ويجتمع مباشرة على الأقل للجنة المصغرة في كل الأحداث المهمة التي تخص مسلمي أوربا، ويتخذ قرارات، ويخرج بيانات، ويرسل وفودا لمناقشة مثل هذه الأفعال لدى المسؤولين لإعادة الأمور إلى نصابها، ومقره في باريس، ويرأسه د.محمد البشاري.

 

تحديات

< وما التحديات التي يواجهها المسلمون في أوربا حاليا؟

التحدي الكبير الذي يجب العمل عليه يكمن في تكوين مؤسسات كبرى تقوم بدورها الإعلامي المتميز؛ لتواكب الأحداث وترد على الإعلام الأوربي الذي استطاع أن يسلب الكثيرين عقولهم، ومن التحديات أيضا أن نواجه تلك الحملة الأوربية الإعلامية المتصاعدة والمسعورة للنيل من الإسلام والمنتسبين إليه، وإظهاره بأنه دين الفشل والإرهاب، وقد ساعد تأكيد الصورة الباطلة ما تناقلته وكالات الأنباء والإنترنت لبعض الحوادث التي تقع على الساحة العربية خاصة في العراق، وفي مصر، كما أن العديد من وسائل الإعلام العربية والإسلامية لا ترقى إلى المستوى المطلوب، وبعضها أصبح يردد بعض الأخبار التي تنقلها الوسائل الأخرى دون التدقيق في المصدر.

< وهل هناك تحديات أخرى على مستوى المؤسسات والمساجد والمراكز الإسلامية؟

من التحديات المهمة انحدار مستوى التعليم لدى العديد من أبناء الأقلية المسلمة خاصة في أوربا الغربية؛ لأن الغالبية منهم من العمال الذين أتوا لتحسين وضعهم المالي، وبالتالي لم يهتموا بتحسين وضعهم العلمي أو الاهتمام بتعليم أبنائهم تعليما جيدًا، وأيضا عدم وجود العدد الكافي من الأئمة والدعاة المؤهلين للقيام بدور الوعظ والإرشاد، وبالتالي تلجأ بعض المساجد لترك المنبر لمن له قدرة على الخطابة دون النظر إلى المفاهيم الخاطئة التي قد يبثها، وهذا ما أدى بدوره إلى الحملة الكبيرة التي تقودها بعض المؤسسات الأوربية لطلب تأهيل الأئمة بما يتناسب والإسلام الأوربي، وأدى ذلك لظهور أئمة ممسوخي الفكر، وهو ما يترك أثرا سلبيا بالتأكيد، بالإضافة إلى عدم الاهتمام بروح الإسلام وتعاليمه في العديد من المساجد والمراكز والمؤسسات الإسلامية، كالانضباط في الوقت والنظافة والحفاظ على البيئة وحسن الجوار مع المسلمين وغير المسلمين، واحترام القوانين الوضعية التي تنظم سبل حياتنا في أوربا؛ ما أعطى ذلك بدوره صورة مشوهة، وأوحى لكثير من المحتكين بنا بأن الإسلام دين إهمال وقذارة وتجهم وتسيب ولا مبالاة وتخلف أيضا، وهذه قضية ذات أثر كبير خاصة أنها ملاحظة مباشرة من رجل الشارع الأوربي الذي يشحن يوميا عن طريق الإعلام الموجه، وللأسف يجد ما يقرؤه أو يسمعه مطبقا على أيدي من يجهل حقيقة هذا الدين من أبنائه.

< ماذا عن التنسيق بين المؤسسات الإسلامية المختلفة في أوربا لمواجهة مثل هذه الأخطار؟

هذا التنسيق مازال إلى الآن دون المستوى المطلوب، ولا يتناسب مع تطور الأحداث التي تشهدها المنطقة، وهذا لا يوجد إستراتيجية محددة المعالم للمرور من هذا المنعطف الخطير الذي يمر به الوجود الإسلامي في أوربا، وبالتالي نجد أن معظم تحركات الأقلية المسلمة عبارة عن ردود أفعال متخبطة لا تتناسب وعظم الحدث، وعدم الاهتمام بتأسيس مؤسسات إعلامية تستطيع مواكبة الأحداث والتعاطي والتخاطب مع الإعلام الأوربي.

< وهل يترك الواقع السياسي والاجتماعي في الدول العربية والإسلامية أثرا في ذلك؟

ـ أكيد؛ لأن هذا الواقع ينعكس بدوره سلبا على وضع الأقلية ونظرة المجتمع الأوربي لها، وما يؤدي إلى عدم التعاطي مع الواقع السياسي الأوربي، وعدم الاهتمام بالانخراط فيه، ما يجعل هذا القطاع العريض من المسلمين في أوربا مهمشين وليس لهم تأثير كبير على أي انتخابات برلمانية أوربية