في الطفولة تُكلم الفتاة عروستها، تحكي معها، وتشكو لها، ومرات كثيرة تقف أمام المرآة متخيلة نفسها «ست الحسن والجمال»، أو الساحرة الشريرة، مُتقمصة لشخصيتها، مُتحدثة بلسانها، وربما حاورتها! ولما كبرنا، وتطورت الحياة بنا، وتعقدت من حولنا زاد حجم مشاكلنا النفسية، لدرجة أصبحت نسبة كبيرة من النساء (25 % مقابل 10 % من الرجال) تزرن عيادات الطب النفسي، وتتعاطين المهدئات، والعلة نفسية!
ثرثري وفضفضي
يرجع الدكتور «محمد عبدالعليم خطاب»، الخبير النفسي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، كثرة إصابة المرأة بالأمراض النفسية إلى استعدادها البيولوجي الذي يجعلها أكثر توترًا، إضافة إلى حجم الضغوط التي تتحملها، ولهذا ينصح كل امرأة بكسر القيود والقواعد، والتحدث مع النفس بلا حرج، بدلا من الاستياء المكتوم، وعدم القدرة على إبداء الرأي، أو لإحساسها بالغربة وسط الناس؛ أملا في التفريج، وطلبا للهدوء النفسي، ولاستمرار قدرتها على الحب والعطاء، فالحكي، والفضفضة مع النفس يساعدانها على تجنب التهور، والاندفاع الطائش، ويمنحها القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ.
التعبير عن النفس
على مستوى العلماء الغربيين، قام الدكتور«مارك لوملي» أستاذ علم النفس بجامعة «واين ستيت» بديترويت بالولايات المتحدة بدراسة الكلام مع النفس تحت اسم «التعبير مع النفس» أو«self-expression»، وهو يراه شيئا طبيعيا طالما لا تسمع المرأة أصواتا تقوم بالرد عليها، ولا تتوقع حدوث ذلك، حيث يقول: «إن الحديث مع النفس تعبير عن اضطراب، أو حيرة، أو تعجُب من شيء ما، ويتم الأمر بإحدى الغرف الخاصة بالبيت، أو داخل العربة، كحالة من حالات تحفيز المرأة لنفسها، أو عند استعدادها لمقابلة عمل قادم، أو محاولة للموازنة بين شيئين لاتخاذ قرار، أو حسما لشجار، وربما كان الحديث مع النفس تفريغا لشحنة غضب كامنة، وأحيانا كثيرة تتحدث المرأة مع نفسها؛ لتقول وتعبر عن مشاعر خاصة لا تستطيع النطق بها لسبب ما».
ظاهرة صحية
يوافق الدكتور «إسماعيل يوسف» أستاذ الطب النفسي بجامعة قناة السويس على مُسببات ظاهرة التحدث مع النفس ويضيف: «بل هي تحدث مع النساء والرجال من جميع الأجناس نتيجة للقلق الشديد، والآلام النفسية الناتجة عن عدم التوافق مع الظروف، والإحساس بالاكتئاب والحزن، أو للخجل عند النساء، حيث تتفكك الشخصية وتبدأ المرأة في إدارة حوار داخلي مع نفسها، وأحيانا تتقمص شخصيتين تتكلمان معا في محاولة للتخفيف من حدة المعاناة». وينصح هنا بالاسترخاء العضلي (الاستلقاء على الظهر في غرفة هادئة مع موسيقى حالمة)؛ فالحديث مع النفس، وهذا الاسترخاء سينعكسان على عضلات الجسم، ويفرغان ما في العقل الباطن، مما يعطيها صورة من صور الإشباع بوجود الأمن، والثقة، فتخرج المرأة من حالة التوتر والعصبية.
بلا تلوين
يستطرد الدكتور «إسماعيل» مطمئنا النساء اللاتي يتحدثن مع أنفسهن قائلا: النظريات النفسية الحديثة أثبتت أن الحديث مع النفس لا يدل على جنون، لكنه يجعل المرأة أقوى، وأكثر ثقة وصمودا، ويساعد على حل مشاكلها، وأن تخوض المواقف الصعبة، فإن تحدثت مع نفسها وضعت المزايا والمساوئ أمامها، ونظرت إليها من عدة زوايا، واختارت الأفضل، الصوت الداخلي هو صوت العقل الذي يُوقظ الضمير النائم بداخلها، يوجه النقد لها، هو الحديث بلا تلوين، أو تجميل، بلا تحريف أو تجميل.
متى تحاورين نفسك؟
إذا اقتنعت بحقك في الحديث مع نفسك على انفراد، وبصوت مسموع دون خوف من أن يتهمك أحد بالجنون، فإليك بعض النصائح والإرشادات، وضعها لك الدكتور «محمد عبدالعليم خطاب»، الخبير النفسي بالمركز القومي للبحوث؛ لتفعلي ذلك دون إحساس بالخجل: *هناك طريقتان للتخلص من التوتر والقلق:
الأولى: الحديث مع النفس على انفراد بصدق، ودون محاباة.
الثانية: تسجيل مشاعرك، وعواطفك على الورق فتنتظم أفكارك، وتنشط ذاكرتك.
1 يُنصح بعقد اجتماع سري مع النفس يوميا بالمنزل، أو العربة، تطرحين فيه مشاكلك، وهمومك، وأوجاعك، وما لا تستطيعين قوله أمام أحد غيرك، على ألا تتجاوز مدته الـ15 دقيقة.
2 الكلام مع النفس -وبصوت عال- من مراحل التطور الطبيعي في نمو فكرك، خاصة مع تداعي مشاكل الحياة، وشعورك بالوحدة وسط الزحام.
3 لا تخجلي من الحديث مع نفسك إن كنت تعانين الخجل، وعدم القدرة على التعبير السريع عن انفعالاتك ومشاعرك، وكأنك في «بروفة » استعداد.
4 اعتبري حديثك مع نفسك مداواة لشرخ حدث لكرامتك، بعد إهانة مفاجئة نتيجة لتطاول أحد الأشخاص عليك، وعدم قدرتك على الرد.
5 انظري لما تقومين به على أنه طبيعي، فالأمل في حياة أفضل، وزيادة متطلبات الحياة بصورة أكبر من القدرات، وضغوط الآباء، والعمل، والشعور بالإحباط والعزلة واليأس كلها أسباب تبرر لك اللجوء للحديث مع نفسك.
6 إذا لم تجدي صديقة تتحدثين معها فتكلمي مع نفسك؛ فذلك صمام الأمان لك، ووسيلتك لإخراج شحنات القلق النفسي، والعاطفي فتهدئين.
7 لا تنسي أن الكلام مع نفسك نوع من الحماية الشخصية، وتفريغ للطاقة العقلية والنفسية، شرط ألا تستهويك اللعبة، وينتهي مصيرك إلى ما لا تُحمد عُقباه.
8 اعتبري كلامك مع نفسك، وبصوت مسموع، هو وسيلتك للتعبير عن استيائك المكتوم عما يحدث حولك، ورأيك المُصادر المهضوم من قبل زوجك، أو مديرك في العمل.
9 لا تضحي براحتك النفسية والبدنية؛ استجابة لمطالب الأسرة أو العمل؛ حتى لا تزداد همومك، وتضطري للثرثرة طويلا أمام مرآة النفس.
10 ينقذك الحديث مع النفس إذا سافر الحبيب ونسيك، أو أنهى هو علاقتك دون رغبتك، أو فقدت عزيزا، كلمي نفسك، حاوريها...ولا تخجلي