علماء يحذرون من تجارة التنبؤات على الفضائيات

الشيخ محمد  النجيمي

 

مع عالم أو عالمة الفلك تستطيع أن تقرأ كفك، وتقرأ لك النجوم.. فقط أرسل اسمك في رسالة نصية إلى الرقم «....»، أو الاتصال على الأرقام الظاهرة على الشاشة، التي يزيد سعر الدقيقة فيها كثيرًا جدًا على الأسعار العادية في الأوقات العادية.

تلك هي رسالة عدد كبير من القنوات الفضائية الخاصة ليلة رأس السنة، وربما قبلها بليالٍ أخرى؛ لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المشاهدين، وبالتالي كسب المزيد من الدولارات، التي يدخل جزء كبير منها جيوب الضيوف.

 

التنجيم من الكهانة

اتفق علماء الدين، والاجتماع على أنّ لجوء القنوات الفضائية إلى استغلال بساطة الناس وقلقهم من المستقبل يعتبر جريمة كبرى، ويقول عن ذلك المستشار في الديوان الملكي الشيخ عبد المحسن بن ناصر العبيكان: «حسمها الشرع في أكثر من موضع في القرآن الكريم، والسنة المطهرة، من ذلك قوله _صلى الله عليه وسلم_: «كذب المنجمون ولو صدقوا»، وفي موضوع آخر، «كذب المنجمون ولو صدفوا»، ويدل هذا دلالة واضحة على تأكيد كذب هؤلاء المنجمين الذين يدعون العلم بالغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله، ولو كانت الجن تعرف الغيب لما لبثوا في العذاب، كما جاء في قصة نبي الله سليمان أنّ الجن لم تعرف موت سليمان إلا لما خر من فوق عصاته ميتًا».

وشدد عضو مجمع الفقه الإسلامي، عضو لجنة المناصحة في وزارة الداخلية، الدكتور محمد النجيمي، على الضرر البالغ من اللجوء إلى مثل هذه القنوات التي تدعو إلى تغييب الإيمان بالله سبحانه وتعالى، واللجوء إلى من يطلقون على أنفسهم علماء فلك، لابد أن نفرق بين التنجيم الذي هو نوع من الكهانة، وبين علم الفلك، فالتنجيم حرام، إضافة إلى استغلال أصحاب هذه القنوات الضيوف، والعمل على استنزافهم، فهم يرتكبون الحرام مرتين، وهذا أمر غير مقبول في الشريعة المطهرة، مصداقًا لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}، وعلى كل من يقوم بهذا الفعل أن يتقي الله فيما يفعل من استحلال أموال الناس، وأكلها بغير وجه حق.       

ويؤكد المستشار الاجتماعي عميد كلية الدراسات الاجتماعية في جامعة أم القرى سابقًا، الدكتور محمد بن مسفر القرني، أنّ تعلق الناس بأوهام قراءة الأبراج، ومتابعة هؤلاء الفلكيين يعتبر تغييبًا واضحًا عن الواقع، ويجب مجابهة هذه الجريمة التي تعمل على وجود فجوة كبيرة، وانفصال بين الإنسان وواقعه؛ الذي لا يقدر على مواجهته؛ إذا كانت النبوءة لعام كامل تقول له: إنّ حظه هذا العام غير موفق، أو العكس.

ويقول المستشار القانوني أمين عام أول هيئة إسلامية عالمية للمحامين خالد الطويان عن الإجراءات، والملاحقة القانونية لمثل هذه الفضائيات التي تستهدف جيوب المشاهدين: «المتصل بمثل هذه القنوات الربحية هو من يتحمل نتيجة اتصاله، لعدم وجود قوانين، وتشريعات واضحة، وملزمة لآلية عمل القنوات الفضائية، والأقمار الاصطناعية، وبالتالي يصعب محاكمتها، فضلاً عن اختلاف القوانين التي تحكم الدول التي تبث منها هذه القنوات».

وأكد الطويان أنّه لا يمكن إطلاق صفة النظامية على هذه القنوات إذا كان هناك تدليس، أو تضليل للمشاهدين، موضحًا أنّ المشاهد لا يجبر على متابعتها، أو الاتصال بها، وبالتالي القرار يكون بيده، مطالبًا بتوعية المجتمع عبر وسائل الإعلام، والتحذير من القنوات التي يثبت تضليلها، وتدليسها على المشاهدين؛ للحصول على أموالهم بطرق غير مشروعة.

الشيخ عبد المحسن العبيكان

 

مواقف للناس من «المنجمين»

وصنَّف الناشط الاجتماعي السعودي حسين بن مسعد موقف الناس بمختلف أديانهم، ومذاهبهم إلى ثلاثة أصناف من هؤلاء الفلكيين «المنجمين»، الأول: يرفضها تمامًا، والثاني: مؤمن بها، وتشغل جل وقته، وهذان الصنفان لن أتحدث عنهما، وسأتحدث عن الصنف الثالث وهو: لا يؤمن تمامًا بها ولا ينكرها، ولكن فضوله يقتله لمعرفة تلك التنبؤات لأسباب أهمها كثرة الضغوط والمشكلات التي تواجهه في حياته، فيهرب إلى حيث ينشغل بتلك التنبؤات التي يكون معظمها باعثًا على القلق والخوف، فيتعايش معها، وينتظر وقوعها ليهرب من ضغوطه.

وللأسف إنّ بعض تلك التنبؤات قد تتحقق، وبالتالي يظل عنده نسبة من احتمالية وقوع غيرها مستقبلاً، فيظل في دوامة وهمٍّ وقلق لما يتنبأ به أولئك المنجمون.

 

إقبال جماهيري

ويقول الإعلامي السعودي عمر الزبيدي: «إقبال جماهيري انطلق منذ نحو خمسة أعوام على قنوات تقدم خدمات السحر والشعوذة، وتفسير الأحلام، فيما تصف نفسها بالقنوات الدينية؛ ليحقق أصحاب هذه القنوات أرباحًا خيالية في وقت محدود، وفي المقابل استنزاف لمقدرات أصحاب الدخول المحدودة التي تمثل الشريحة الأساسية لمتابعي هذه القنوات؛ بحثًا عن النفاذ من أوضاعهم، لتلعب هذه الفضائيات دورًا دافعًا في تمويلها على حساب فواتير عالية يدفعها الجمهور تغطي تكاليف الاتصالات المباشرة للجمهور، والرسائل التي تحولت إلى مورد أساسي لثراء أصحاب الفضائيات، ويمكن تقييم المستوى الفكري للطبقات التي تتابع مثل هذه البرامج لترى أنها تتفاوت، وتشمل جميع طبقات المجتمع بلا استثناء، لكنها تتركز في الطبقة محدودة الدخل، والمتواضعة فكريًا، وتعليميًا، والبعيدة عن الإيمان بالله، وقضائه وقدره».

حسين بن مسعد

 

5 مليارات مكاسب

يؤكد الزبيدي أنّ هذه القنوات لم تساهم إلا في مزيد من الاستنزاف لمقدرات البيت العربي في نفقات السحر والشعوذة، والتي قدرت سنويًا بما يزيد على خمسة مليارات دولار، وهي تقديرات أولية لا تمثل كامل الإنفاق الحقيقي، والاستنزاف الذي يعطي صورة عن مستوى بعد المسلم اليوم عن حقيقة الإيمان، وفراغ روحه بسبب استبدال الوهم بالواقع، مما ترتب عليه الاعتماد على السحرة والدجالين، بدلاً من العمل، والجد، والمثابرة للارتقاء، فنجد أنّ أبواب السحرة مطروقة من الكبراء، ورجال السياسة، والفن، والرياضة، ورجال الأعمال في رحلة بحثهم عن مزيد من الثراء، والشهرة، لتتحول هذه الثقافة إلى توجه مدمر يساهم مع المخدرات، وقنوات الغناء المبتذل إلى حلقات تغلق على شباب يعاني من الفراغ، وعدم وجود المثل العليا، والأهداف.