فاطمة بنت أسد زوجة العم الحنون

 

بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالة ربه الى العالمين رجالا ونساءً ليُضىء مشارق الأرض ومغاربها، وليتمم مكارم الأخلاق ، وكما شَرُف الكثير من الرجال بصحبته، وطاعته واتباع سنته ؛ شرُفت نساء كثيرات كذلك بهذه الصحبة المباركة، والتفت حول المائدة النبوية لتنهل من علمه وتستضىء بنوره صلى الله عليه وسلم فظهرت منهن الفقيهات والمقاتلات والطبيبات، والداعيات، والرافعات لراية الإسلام فى بدايته، وكانت لهن عند رسول الله المكانة العالية والإشادة، وكان لكل منهن شأن معه وفى هذه الزاوية نلتقى بهؤلاء النسوة اللاتى شرفن بصحبة النبى صلى الله عليه وسلم وتحدث عنهن.

 

إنها الصحابية الجليلة "فاطمة بنت أسد بن هاشم" تولت رعاية رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أمه السيدة الفاضلة آمنة بنت وهب، وكانت كالأم لرسولنا الكريم وهو طفل صلى الله عليه وسلم.

كانت فاطمة بنت أسد من أفراد العائلة القريشية الهاشمية التي ضمتها الأقدار إلى بيت السيد المشرف "سيد بني هاشم" عبد المطلب كانت زوجة للعم أبي طالب وكانت نهراً من الرحمة وفيضاً من الحنان هذا إلى جانب رجاحة العقل وسعة القلب.

 

أسرة متحابة = أم حنون

تزوّج والدا السيدة فاطمة قبل هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله بما يقرب من 60 عاماً، ورُزقا بابنة وسيمة سمّياها “فاطمة “ أيضاً على اسم والدتها فقد كان الأب محباً لزوجته حباً شديداً.

كان الأب أسد يحب ابنته فاطمة حباً كثيراً على الرغم من أنّ العرب كانوا في ذلك الوقت كما يقول النص القرآني الكريم :

( إذا بُشِّرَ أحدُهُم بالأُنثى ظَلَّ وجهُهُ مُسْوَدّاً وهو كظيم * يَتوارى من القَومِ مِن سُوءِ ما بُشِّرَ به أيُمْسِكُهُ على هُونٍ أم يَدُسُّهُ في التراب)

لكن الأب الرشيد أحب أسرته وأكرمها ولم يتأثر بما كان شائعاً في ذلك العصر من وأد البنات وقتلهن في المهد دون ذنب وقد كانت هذه العادة منتشرة انتشاراًكبيراً في ذلك الوقت من العصر الجاهلي.....!

 

وأد البنات عند العرب في الجاهلية:

كان من العرب من يئد بناته الصغار خوفاً من أن يلحقهم بسببهنّ العار إذا ما سُبين أى أُسرن فقد كانت الحروب بين القبائل شائعة في ذلك الوقت.

 وكان أوّل من سنّ ذلك فيهم: قبيلة “بنو تميم”، فقد أرسل إليهم النعمان بن المنذر ـ حاكم العراق ـ جيشاً كبيراً فأغار عليهم ونهب أموالهم وسبى نساءهم، فأرسل إليه كبار بني تميم وفداً وسألوه أن يُطلق سراح بناتهم ـ وكان بعضهنّ قد تزوّج في الأسر ـ فخيّرهن النعمان بين العودة أو البقاء، فاختارت ابنة “قيس بن عاصم “ أن تبقى مع زوجها، فصدم ذلك هذا الشيخَ الكبير ـ وكان مقدّماً في قومه ـ فعاهد نفسه أن يَئد كلّ فتاة تولَد له بعد ذاك، ثمّ انتشرت هذه السنّة والطريقة بين قبائل العرب الأخرى.!

وعلى الرغم من هذا الجوّ الحاكم على محيط بلاد الحجاز، خالَفَ أسد ـ مدفوعاً بفطرته وإيمانه وتوحيده ـ هذه الأفكار وهذه الممارسات، وكان يغرس في قلب “فاطمة “ الصغير عقائدَ التوحيد، حتّى نشأت امرأة كاملة مؤمنة، فكانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإيمان، وكانت امرأة طيّبة السيرة، لبيبة عاقلة، بصيرة بأمور آخرتها، ذكيّة، عفيفة، طاهرة. وكانت على ( الحنيفيّة ) دين النبيّ إبراهيم الخليل عليه السّلام، فلم تسجد ـ حتّى قبل الإسلام ـ لصنم قطّ

 

الزواج المبارك:

مرّت على فاطمة بنت أسد  سنوات في مكّة لا تُنسى،فقد نضجت وكبرت وبدأت يتقدم لها الخُطاب مثل جميع الفتيات في مثل هذه المرحلة من العمرولكن هذه المرة تقدّم لخطبتها شابّ يُدعى"أبو طالب " شاب ينحدر من سلالة كريمة ومَحتِد أصيل.

وتم الزواج الكريم وجرت مراسم العقد، فدعا أسدٌ الناسَ ليحضروا، وأولم للناس وكان عُرساً كبيراً أُشهر فيه الزواج الكريم فالزواج إشهار.

رزق الله تعالى السيدة فاطمة بنت أسد العديد من الأبناء.. وعلى الرغم من ذلك كان في قلبها المكانة الكبيرة كانت تعتبر أن محمداً ذلك الصبي اليتيم الصغير الذي حُرِم حنان الأم ومن قبله حنان الأب هو أحد أبنائها فرُبيّ في حجرها، وكان شاكراً لبرّها.

وبعد موت الجد عبد المطلب أخذ أبو طالب الإبن الأكبر ابن أخيه محمّداً صلّى الله عليه وآله إلى بيته، وكان يرعاه هو وزوجته فاطمة بنت أسد، وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يناديها بـ  أمّي.

.

تعدد أدوارها :

كانت السيدة فاطمة بنت أسد شديدة الإتقان لكل الأدوار التى آلت اليها فى حياتها، فنجدها نعم الزوجة لزوجها، ونعم الأم لأبنائها، ونعم الحماة لزوجة ولدها، كان لديها من الأولاد والبنات الكثير، ورغم ذلك عندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو طفل صغير الى بيتها اهتمت به أى اهتمام وأولته من رعايتها ومحبتها ما ملكت به قلب الطفل الصغير الذى لم ينس لها جميل صنعها معه، فقد كانت تبالغ بالإهتمام به وبمأكله، وملبسه، ومشربه، وكانت حريصة كل الحرص على هيئته، فكانت تلبسه أجمل الثياب وتعطره بأجمل العطور، وتعطى له من وقتها الكثيرعلى الرغم من أنه ليس بولدها لكن رهافة حس، وحنوهذه السيدة الجليلة مكناها من الإلمام والإتقان لكل المهام الموكلة اليها ، فكانت نعم الأم لأولادها.

تفاصيل أوسع تجدونها في العدد 1540 من مجلة "سيدتي" المتوفر في الأسواق.