منذ أكثر من 100 عام هرب ليو تولستوي، أحد عمالقة الروائيين الروس، الذي عاش بين عامي 1910– 1828، من ضيعته وترك الترف والثراء ليمضي بقية حياته ويموت في كوخ صغير بجوار محطة القطارات؛ تخلصًا من أنانية وتسلط زوجته، ورغبة في الراحة من شكواها واعتراضاتها الدائمة عليه؛ فبعد قصة كفاح طويلة وسنين مشتركة، وعدد من الأبناء والأحفاد.. لم يستطع «تولستوي» صبرًا؛ فالمشاكل بينه وبين زوجته تتراكم، والقضايا بينهما تظل مفتوحة يؤزم بعضها البعض حتى قرر الهروب، أو الانفصال، وترك البيت وهو في السبعين من عمره.
استرداد الذات
في بحث أعدته الدكتورة، سوسن السيد، أستاذة علم النفس الاجتماعي -بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية- خصيصًا لقارئات «سيدتي» ذكرت أن طلب المرأة الطلاق بعد الستين يثير التساؤلات، خاصة أن محاكم الأسرة أكدت زيادة عدد حالاته، وهناك أكثر من باعث لهذا الطلب في هذا العمر تحديدًا.
أولًا: حق الحرية في رفع قضايا الخلع اكتساب جديد للمرأة لم تكن تمارسه من قبل، وفرصتها المتاحة للتحرر من الزوج.
ثانيًا: يحدث للزوجة في هذا العمر نوع من الاستقرار الاقتصادي إلى حد ما، بعد أن كانت حياتها معلقة على زوجها وحده؛ بالإضافة إلى فرص العمل المفتوحة لها رسمية كانت أو من خلال جمعيات المجتمع المدني.
ثالثًا: تغير مفهوم الزواج؛ من قبل كانت الزوجة تتقبل طريقة زوجها في المعاملة، وإن جار عليها، «يكسر لها ضلع»، فيحدث لها نوع من تراكم الخبرات السيئة تصل بها إلى مرحلة استحالة الحياة معه، ومع كبر السن لا مزيد لديها من طاقة الصبر عليه، إلى جانب خصائصها النفسية التي بدأت تتغير. حيث ترغب في الراحة والهدوء فتفضل الابتعاد.
رابعًا: كثيرًا ما تتحمل الزوجة الضرر وتعاني بصبر وجلد حتى يكبر الأبناء ويشقوا حياتهم، فتعتبر رسالتها انتهت وتفكر في الراحة وتعويض سنوات حرمانها، حتى وإن كان مطمحها الهدوء النفسي فقط.
خامسًا: وللتثقيف والاطلاع دوره أيضًا. فهي تتعلم وتتفهم ما يدور حولها، تدقق في العلاقات التي تشاهدها في الدراما لتعرف حجم مشكلتها وأين هي؟ وما ينبغي أن تكون عليه! فتبحث عن نفسها وتحسن وضعها، حتى لو كان الثمن هو الوحدة.
الرغبة في الاقتراب
تتابع الدكتورة «سوسن السيد» أوراق بحثها معنا.. مجيبة عن سؤال مطروح: هل من سبب بين سوء العلاقة وتوترها، والتي تؤدي إلى طلب الطلاق وبين طبيعة العلاقة الحميمة بين الزوجين في هذا العمر؟ وتجيب: العلاقة الحميمة هي ذروة الإحساس بالرغبة في الاقتراب، هي التوحد والاندماج.. الشوق والحب للآخر، وتكون منذ البداية بحسن المعاملة واحترام الآدمية، وعدم تجاوز الحدود، وإن لم يتم هذا خلال سنوات الزواج الطويلة، تضطرب العلاقة الحميمة، وتتولد علاقة أخرى تتسم بالنفور والعصبية من الطرفين.
ولكن من أين يأتي التجاوب مع جو مشحون بالتوتر والغضب؟ فالزوجة تنظر لزوجها على أنه أقل من أي رجل، فيصبح لقاؤهما أكثر شراسة، أو يتم بشكل عنيف إلى أن ينقطع. هي دائرة تولد بعدًا أكبر وفجوات ونفورًا أطول.
ليس بتقادم السنين
في إشارة من الدكتورة «سوسن السيد» تؤكد أن الوصول إلى مرحلة المودة والرحمة لن تحدث لمجرد توالي وتقادم السنين بين الزوجين، فالرغبة في الطلاق تأتى -برغم الوصول إلى سن 60 من العمر- نتيجة تصرفات سابقة متراكمة يصعب تصحيحها بعد أن تركت أثرًا نفسيًا، وعلامة لا تستطيع الزوجة أن تقنع نفسها بالعكس، أصبح هناك ارتباط شرطي بين صورة الزوج أمامها والنفور والرفض الذي تحسه اتجاهه في قلبها.
هي صاحبة القرار
المرأة في أغلب حالات الطلاق المقدمة إلى محاكم الأسرة هي صاحبة القرار، مصرة عليه ولا تتراجع، غير مهتمة بما سيحدث لها، وما سيقال عنها.. لا تضع حسابات العقل أمام قرارها، ولا تنظر إلا لرغبتها في التخلص من أي ضغوط نفسية، واغتنام فرصة الراحة، تطرد الكابوس الذي تحياه، بعد أن ملت دور الزوجة المتحملة، المضحية.
معلومات
في آخر بحثها وضعت الدكتورة، سوسن السيد، مجموعة من المعلومات والإرشادات على الزوجة الاسترشاد بها قبل طلب الطلاق.
تأهبي لمزيد من إيلام النفس لك ولزوجك وأبنائك، فالطلاق بعد الستين حالة خاصة جدًا من الفشل الزوجي.
طلب الطلاق في خريف العمر أقوى دليل على أن زواجك كان بناء متداعيًا سرعان ما انهار وتحطم.
هوعلاقة هشة برغم سنوات العمر المديدة.
عندما تكبرين تبحثين عن الهدوء والاستمرار، ولا تتضايقي إن بحث طليقك عن التجديد.
كان من المفترض ألا تراكمي انفعالاتك؛ حتى تتحول إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت وتهدد العلاقة الزوجية.
لتفادي الطلاق
لا تنسي أن الرجل يمر بمراهقة ثانية ما بين بداية سن الأربعين وتستمر معه حتى الخمسين أو أكثر، وفيها يفكر في حياة ثانية.. زوجة أخرى! وربما غير مهنته وأسلوب حياته.
ما عليك إلا تهيئة الجو لتواصل الأبناء مع أبيهم لإثبات أن دورهم لم ينته بعد، ويتم ذلك بدعوة على العشاء والاحتفال بمناسبة خاصة، أو تنظيم رحلة لعدة أيام.
لا تنامي وبقلبك إحساس سلبي تجاه زوجك؛ ناقشيه، فهشاشة العلاقة تأتي من تراكم الانفعالات والإحساس بأن سنوات العمر تمضي دون أن تجد قلبًا محبًا يسكن حولك، وأياديَ حانية ممتدة تربت على خدك أو تربت على كتفيك مطمئنة ومشجعة معًا.
عندما يكبر أبناؤك ويتزوجون يصبحون أكثر حاجة لمشاهدة مظاهر الحب والاستقرار والأمان على والديهم. فيأخذون العبرة ويرسمون لأبنائهم صورة جميلة للحب والتراحم والرحمة عند الكبر. فكوني كذلك.