المسلسلات التركية وأثرها على العلاقة بين الزوجين

 

منذ سنوات قليلة، ملأت المسلسلات التركية شاشات فضائياتنا العربية، برومانسيتها البعيدة عن الواقع، ووجوه أبطالها ذات الجمال اللافت، وطبيعتها الساحرة، فتأثرت بها نساؤنا العربيات، ورحن يطالبن أزواجهن، أن يكون الواحد منهم مثل هذا البطل أو ذاك! فرد عليهم الأزواج مطالبين إياهن أن ينسين مشاغلهن، ويصبحن مثل هذه أو تلك، تلهث وراء من تحب دون ملل! هذا الحالة بين الأزواج، ولّدت مشاحنات ناتجة عن التأثر، الذي استشارت به "سيدتي" في دراسة خاصة، خبراء من ثلاثة بلدان عربية، ليكشفوا لنا مدى تأثر المرأة والرجل بهذه المسلسلات الرومانسية،  وما مضار متابعتها؟ 

 

 

لم تؤثر على الرجل السعودي، بل المرأة السعودية فقط”، هذا ما بدأت به الاختصاصية الاجتماعية فادية العبد الواحد من جامعة الملك سعود، حديثها، ذلك أن المرأة تتطلع، لأن يكون زوجها  رومانسياً كبطل العمل، ونفت فادية أن تؤثر هذه المسلسلات سلباً على الأزواج المتفهمين، تستدرك: “لا أنكر أنها قد تغير سلوك البعض للأفضل، ولكن أحد الطرفين من الزوجين سيرفض المسلسل، فالرجل لا يتقبل حياة مليئة بالدموع، والصدمات والرومانسية الزائدة، التي تناولتها المسلسلات التركية، فقد أثرت بالنساء اللاتي يفتقدن في حياتهنّ الأجواء الرومانسية على ما يبدو”.

 

للتشويق فقط

فيما تجد الاختصاصية النفسية السعودية سلوى العوين، من عيادة سلوى للاستشارات النفسية، منافع بتقليد هذه المسلسلات، كونها تبتكر اللحظات الممتعة، شريطة أن يتجاوب الطرفان معها، وإلا قد يؤدي الأمر في كثير من الأحيان إلى الطلاق، والنتيجة ستكون تدمير أسرة بأكملها بسبب التأثر بمثاليات الحب، تعلّق سلوى: “فكرة العمل وعرضها، هي من أجل التشويق ليس إلا، ولن تكون موجودة في حياتنا اليومية مع الضغوط، كما أن بعض الأزواج يحاولون إيجاد أجواء رومانسية بينهم ولحظات لا تنسى بالنسبة لهم حتى لو تقدم بهم العمر”.

 

هروب وتغييب

في مصر يختلف الحال، حيث أثرت هذه المسلسلات، رغم مخالفتها لعاداتنا الشرقية، على الشباب بعامة والزوجات تحديداً، بتأكيد من الدكتور محمد رفعت قاسم، عميد كلية الخدمة الاجتماعية الأسبق، فالزوجة، برأيه، تجلس لساعات تشاهد الحلقة مرة واثنتين وثلاث،..تغيب عن الوعي، وتدمن المسلسل، كأنه مخدر؛..مُختصرة الزواج في شكل حلم رومانسي جميل..عليه ألا ينتهي! متأثرة في ذلك بالإيحاءات الباطنية، التي تظهر بعد ذلك في صورة تغيرات في مسار علاقتها بزوجها، ومن أبرزها:

 

على رؤوسهن الطير

ما اجتمعت زوجتان إلا وكان الحديث عن المسلسل التركي - بحلاوة أبطاله، وتشويق أحداثة-  ثالثهما”، بهذه المفردات تعلق الدكتورة، هناء المر صفي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس..وتتابع: “اليوم بدأنا نسمع ونقرأ عن خلافات أسرية، وحالات من الطلاق بسبب الإدمان على مشاهدة المسلسلات التركية، فالنساء يجلسنّ أمامها، وكأن على رؤوسهن الطير؛ مستغرقات فيما يجرى من أحداث فتتغير صورة الزوج في عيون زوجته، وقد تشك في قدر كفاءته، فتبدأ المقارنة بين كلمات زوجها وهمساته.. وحتى أسلوب هندامه وملاطفته لها بما تتابعه، وفي الغالب تعطي لرجلها المرتبة الأدنى، مما يشحن حفيظة الزوج، ويشعل غيرته”.

 

لا تأثير علينا

الإعلامي المغربي، ومنتج البرامج بالقناة الأولى المغربية “السراج ضو”، يكشف أن الإقبال على هذه المسلسلات من قبل فئة النساء والفتيات واسع، لجرعة الرومانسية المفرطة في الحكايات التي تجسدها، ويتابع: “ناهيك أننا في مجتمعاتنا نفتقد لمثل هذه الرومانسية، وحتى إنتاجنا الدرامي المحلي، يفتقر لمثل هذه اللمسة الرومانسية، فالإقبال على هذه المسلسلات هو فقط من قبيل الاطلاع والاستمتاع  للحظات، لكن حالما ينتهي المسلسل تعود المرأة المغربية لتنغمس في الواقع”.

ونفى السراج أن تكون هذه الرومانسيات قد انعكست سلباً على العائلات المغربية،  وقد برر ذلك قائلاً: “حتى في أدبنا المغربي، نادراً ما نجد قصصاً رومانسية من قبل الشعراء أو الأدباء، فنحن لا نمتلك شاعر المرأة نزار القباني، أو قصص الحب الجارفة كعنتر وعبلة ومجنون ليلى، فالعائلة المغربية منغمسة في الواقعية، ولا أرى أنه سيكون هناك تأثير عليهم من المسلسلات التركية التي تسوق لإنتاجها وسياحتها”.

 

سياحة وحجوزات

فيما يرى الناقد وكاتب الدراما والمسرح المغربي عبد الإله بنهدار، أن المسلسلات التركية باتت محط اهتمام واضح، وخصوصاً أنها لم تنتج لغاية إيديولوجية أو سياسية، بقدر ما أنتجت لتخدم توجه البلد الاقتصادي والسياحي..

 ولا يشك بنهدار أنّ هذه السياسة أتت أكلها.. فيمكن لأيّ متتبع أن يلقي نظرة على حجوزات الطيران من بلده نحو تركيا، ليجد أن الأرقام ارتفعت بشكل كبير، وأن  الدعاية والمسلسلات التركية، لعبت دوراً في ذلك كله، كما يمكن لكل مواطن عادي وهو يجلس في أي مقهى عربي ببلده، أن يعاين باعة الملابس المتجولين، وهم يعرضون على الزبائن قمصاناً وسراويل وأقمشة بماركة وعلامة تركية، يعلّق:  “هل يكفي هذا دليلا على نجاح المسلسلات التركية في اقتحام حياة المواطن العربي ليس فكرياً فقط؛ ولكن وجدانياً”؟

الخطورة التي تسببها هذه المسلسلات حسب الناقد وكاتب الدراما والمسرح المغربي عبد الإله بنهدار، هو أنها تبيع الوهم للمشاهد العربي، وتصدر له آمالاً وعوالم بعيدة عن واقعه المعيش.. يستدرك قائلاً: “إنها نفس التجربة التي عشناها، ونحن أطفال مع المسلسلات الهندية العاطفية، ومع الأفلام المصرية، التي غلب على معظمها الطابع القومي والرومنسي”.

وبرأي بنهدار أننا نعيش اليوم فصلاً آخر ولحظة جديدة مع المسلسلات التركية، التي يغلب عليها طابع الحلم الجميل؛ لكن السؤال الذي يطرحه: “متى سنصحو من هذا الحلم”؟

ويشاركه الرأي خبير التنمية البشرية المغربي عبد العزيز الروماني، بأن المسلسلات التركية، تعوض اليوم عن مسلسلات أميركية ومصرية ومكسيكية، كانت قوتاً عاطفياً في الماضي للمراهقات تحديداً، وعن سبب وجودها، يفسر: “هناك موت إعلامي في الدراما المغربية، هو الذي فسح المجال أمام ازدهار هذه المسلسلات، التي تبقى سطحية، وتؤثر لحينها في عواطف المراهقات، دون أن يكون لها أثر حقيقي على الحياة الواقعية، والدليل أننا كما نحن في الواقع الذي تظل الكلمة الحسم له لا للأحلام”.

نصـائح

وضعها الاختصاصيون في الدراسة للأزواج والزوجات، بحيث تمكنهم من الاستفادة من هذه المسلسلات، وتبعدهم عن الخلافات العائلية:

 على الزوجين أن يتعلما فنون الرومانسية، كل حسب بيئته وطبيعته، وليس كما يرون الحب والرومانسية في المسلسلات التركية.

 عليهما أن يبتعدا عن تقليد الغير بابتكار أجواء خاصة بهما.

 على المرأة منذ بداية زواجها، أن تعود زوجها على سلوكيات شفافة في علاقتها معه، وألا تبحث عن الرومانسية بعد سنين من زواجهما. 

 أن يدرك الأزواج أنّ الرومانسية أساساً تأتي مع الفطرة، وما نتعلمه هو القليل من التصرفات التي تزين فطرتنا وتدعمها.

 هذه المسلسلات دعوة للنظر بعين جديدة للزوج أو الزوجة؛ فتعلما التعامل بإنسانية أكبر، وقليل من الرومانسية لن يضر، إضافة إلى أن الاهتمام بالملبس والهندام داخل البيت وخارجه سيولد مشاعر راقية.