هناك حكمة قديمة تقول: «إن لم تستطع النظر في عيني فلا يمكنني الوثوق بك»، ولذلك يفترض أن تبين العين مدى صدق الشخص من كذبه، وتختلف التفسيرات تبعًا للثقافات والعادات، ولكن تبقى إشارات العين ذات معان ودلالات قوية عن كيفية تفكير الأشخاص في المواقف المختلفة، بل وتعطينا الخرائط العقلية التي تقود سلوكهم وتوجههم، ولكن هل يمكن لأي شخص رجلاً كان أو امرأة أن يتعرف على حقيقة الآخرين من نظراتهم؟
المرأة أكثر قدرة
إذا استطاع رجل أن يصل إلى عواطف المرأة أيًا كانت تلك المشاعر سواء ألفة أو حب أو صداقة، فيمكنه التعامل معها بمنتهى الثقة والأمان، وتحديد شكل علاقته معها دون قيود أو قلق، فالمرأة يمكنها إدراك حقيقة الآخرين أو زيفهم إذا استخدمت مشاعرها للحكم عليهم، خاصة إذا صنعت معهم اتصالاً جيدًا بالعين؛ بمعنى أنها تتمكن من قراءة نظرات الآخرين إليها، وهذا ما توصلت إليه دراسة نفسية حديثة بجامعة عين شمس، والتي أكدت أن المرأة أكثر قدرة على قراءة عيون الآخرين، وفهم ما يقصدون من وراء نظراتهم أكثر مما يستطيع الرجال، حيثُ توصلت 75 % من عينة النساء بالدراسة إلى قراءة عيون الآخرين بشكل صحيح في مقابل 35 % فقط من الرجال، الذين استطاعوا الوصول لقراءة النظرات بشكل صحيح.
النظرة المباشرة من المرأة إلى الرجل، كما أوضحت الدراسة، يمكنها أن توضح الرسالة المقصودة أو الكلام الذي يرغب في قوله أكثر من النظرات الجانبية؛ أي النظر بطرف العين، الذي يتبعه الرجل عادة، حيثُ توصل تلك الطريقة رسائل محرفة للآخرين، مما يعطيهم انطباعًا سيئًا وفكرة خاطئة عن الشخص، بينما تعطي النظرة المباشرة لعيون الآخرين إحساسًا بالراحة والثقة، وتترك انطباعًا جيدًا عن صاحبتها لدى الناس، خاصة من يتعرفون عليها للمرة الأولى، مما يؤكد أن الانطباعات الأولى تدوم.
اتصال العين
برأي العالم النفسي جان بول بوفيي، أن تمحيص المرأة في عيني من يحدثها يمكن أن يخبرها عن الشخص الذي تتعامل معه، إن كان مخلصًا صادقًا أم ماكرًا، ولكن المشكلة إن لم يتم اتصال العين بشكل جيد أو حدث أي ارتباك أثناء فعل اتصال العين، فلن تصل إليها رسائل الأخرين، الذين ترغب في التواصل معهم بشكل واضح.
أما العالم رويان ريل، فيرى أن النساء غير الناجحات في علاقاتهن الاجتماعية لا يمكنهن تكوين صداقات جديدة؛ لأنهن غالبًا ما يتسمن بالخجل، ولا يجدن اتصال العين؛ حيثُ ينظرن دائمًا إلى الأسفل أثناء الحديث مع الآخرين، أو يذهبن بعيونهن بعيدًا عن اتجاه عيون الشخص الذي يتحدثن معه، ونادرًا ما تلتقي عيونهن بعيني هذا الشخص أثناء الكلام؛ لذلك يمكن للمرأة أن تكون أكثر نجاحًا في علاقاتها الاجتماعية إذا حرصت على هذا السلوك الاجتماعي البسيط وهو اتصال العين؛ فهو من أهم وأرخص قنوات الاتصال مع الآخرين، والعين ليست فقط مجرد نافذة على الروح، ولكن يمكنها أن تجيب عن أسئلة حرجة وهامة من خلال اللغة غير اللفظية، أي بدون استخدام الكلمات.
مثلث النظر
يرى مايكل أرجايل، عالم النفس، أن طول مدة النظر ليس هو المهم فقط، بل وعلى قدر من الأهمية تأتي المساحة الجغرافية لجسم ووجه الرجل الذي تسلط عليه المرأة نظراتها، فعندما تشتركين معه في حوار عملي فإن عليك أن تتخيلي وجود مثلث على جبينه المقابل لك، وبمحافظتك على توجيه نظراتك إلى تلك المساحة فإنك بذلك تبتكرين جوًا من الجدية، وسيشعر الشخص المقابل لك بأنك تعنين العمل لا غير، وإذا أمكنك أن تحافظي على نظراتك فوق مستوى عيني الشخص المقابل فإنك تتمكنين من المحافظة على التحكم في المقابلة، أما عندما تنزل النظرات إلى مستـوى ما دون عيـني الشخص المقابل فإن الجو الاجتماعي يسـود.
أظهرت التجارب التي أجريت على تركيز النظر أثناء الكلام أنه خلال اللقاءات الاجتماعية فإن عيني المرأة تسقطان كذلك على مساحة مثلثة من وجه الشخص المقابل، وهذه المرة فإن زوايا المثــلث هي العينان والفم، أما في حالة العلاقات الحميمة فإن النظر يتركز على العينين نزولاً إلى الذقن والأجزاء التي تحتها.
في الثقافات المختلفة
يعتبر النظر المباشر بالعين أثناء الكلام في الحضارة العربية دليلاً على الصدق والاستقامة، وفي حالات أخرى يُفسر تحديًا ووقاحة، وقد تعتبر بعض الثقافات العربية إطالة نظر المرأة إلى عيون الرجل عدم احترام له، أو خجلاً منه.
في الثقافة الإنكليزية يبدأن باتصال العين، ولكنهن يتجنبن التركيز في عيني الرجل، ويكتفين بالنظرات القليلة أو الجانبية؛ حتى تتضح حقيقة العلاقة التي يرغبن في إقامتها معًا، سواء كانت علاقة عمل أو إعجاب أو صداقة، أي أنهن لا يظهرن الاهتمام في البداية؛ حتى تتضح حقيقة المشاعر.
في ثقافات جنوب آسيا يعد النظر المباشر عدوانية ووقاحة، وفي بعض الثقافات يعد النظر بالعين بين الرجل والمرأة دليلاً على التهديد والمراوغة.
في أميركا الشمالية تحرص النساء على إطالة النظر إلى عيني الآخر أثناء الحديث معه؛ فذلك يعطيها ثقة أكثر، ويفسر الرجال عدم النظر إلى العيون أثناء الكلام مع المرأة على أنه محاولة منها للكذب والمراوغة وإخفاء الحقائق، ويطلقون على تلك النظرات غير المباشرة Shifted eyes أي انحراف العين، أو العيون المنحرفة، حيثُ تنحرف بنظراتها بعيدًا عن عيني من تتحدث معه.