يؤكّد باحثو "المعهد القومي للصحة النفسية" في الولايات المتحدة أن غالبيّة الأمهات ممّن تجاوزن سن الخمسين قد يعانين من تغيّرات نفسية ومزاجية سيّئة نتيجة لإصابتهن ببعض المشكلات الصحية المتعلّقة بالتقدم في السن وانقطاع الطمث، كالبدانة وما يترتّب عنها من أمراض مزمنة كالسكري والقلب والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم. ويضيفون أن بعض النساء في هذه المرحلة العمرية قد يتعرّضن إلى خطر الإصابة بالاكتئاب، ولو بنسبة ضئيلة. ويخلصون إلى أن الاهتمام بصحة الأمهات في العقدين الخامس والسادس وحثّهن على المتابعة الطبية الدورية ذو تأثير إيجابي على حالتهن الصحية البدنية والنفسية معاً.
"سيدتي" تسأل الاستشاري في أمراض جهاز الهضم والكبد في مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة الدكتور نادر فريد عن أهم المخاطر الصحية التي تواجهها الأمهات بعد سن الخمسين وكيفية التعامل معها والوقاية منها.
تستهلّ في العقد الخامس من سنّ المرأة خفوض مستويات هرمون "الإستروجين" نظراً إلى توقّف المبيض عن إنتاجه، ما يؤدّي إلى عدم تجديد بطانة الرحم، وبالتالي انقطاع الحيض. ويؤكد باحثو المركز الطبي في جامعة كاليفورنيا أن أكثر من 4000 سيدة يدخلن تلك المرحلة من العمر يومياً، وأن متوسط سن انقطاع الحيض بالولايات المتحدة الأميركية هو 51 سنة، ويعزون حالة فقدان التوازن الجسدي والفكري التي تصيب غالبية السيدات إلى عدم توازن الهرمونات إلى جانب الأمراض الأخرى المرتبطة بتقدم العمر، وأبرزها:
1 هشاشة العظام:
يؤدي توقف المبيض عن إفراز هرمون "الإستروجين" إلى تعرّض نسبة كبيرة من النساء للإصابة بهشاشة العظام. فمن المعروف أن الجسم في حالته الطبيعية يقوم بعملية إزالة مستمرة لخلايا العظام القديمة وبناء أخرى جديدة للحفاظ على كميّة ثابتة منها، إلا أن انخفاض مستوى الهرمونات يفقد هذه العملية توازنها ليبدأ التناقص السريع في كثافة العظام وفقد الكالسيوم منها، وبالتالي صلابتها. وتتسبّب هشاشة العظام في ضعفها وجعلها أكثر قابلية للكسر، وخصوصاً العمود الفقري والفخذ والرسغ. وللوقاية، ينصح الأطباء بـ:
* التعرّض إلى ضوء الشمس في الصباح الباكر وقبل الغروب، بشكل منتظم.
* تناول المكمّلات الغذائية المحتوية على الكالسيوم، بما يسمح بالوقاية من الكسور أو الإصابات.
* الحصول على الكالسيوم من مصادره الطبيعية كمنتجات الألبان والبيض وبعض المكسرات (اللوز والجوز) والخضر (البروكولي والبامية) والفاكهة (التين)، علماً أن الوجبات الغذائية المتوازنة تزيد من قدرة الأمعاء على امتصاص الكالسيوم.
* الامتناع عن تناول الأطعمة التي تتسبّب في نقص الكالسيوم من الجسم وفقده مع البول، كتلك الغنية بالبروتين.
* التخفيف من استهلاك ملح الطعام والمشروبات الغازية.
* المواظبة على ممارسة الرياضة وخصوصاً المشي، للحفاظ على قوة وصلابة العظام في تلك المرحلة.
* التوقف عن التدخين.
* الحرص على إجراء الفحص الدوري بعد سنّ الخامسة والأربعين، عن طريق اختبارات قياس كثافة العظام.
* اللجوء إلى العلاج الهرموني التعويضي في مرحلة انقطاع الطمث، بإشراف طبي دقيق.
2 أمراض القلب والشرايين وضغط الدم:
تزداد فرصة الإصابة بأمراض القلب والشرايين بعد الخمسين، إذ يؤدي نقص هرمونات الخصوبة إلى ارتفاع نسبة "الكوليسترول" بالدم. وقد توصّل باحثون في جامعة هارفارد الأميركية إلى أن لهرمون "الإستروجين" دوراً هاماً في الحفاظ على صحة القلب وحماية المرأة من تصلّب الشرايين بواسطة زيادة "الكوليسترول الجيد عالي الكثافة" HDL المسؤول عن نقل "الكوليسترول" بعيداً عن الشرايين ومنع انسدادها، بجانب أنه يقلّل من نسبة "الكوليسترول السيّئ منخفض الكثافة" LDL. والجدير بالذكر أن "الكوليسترول السيّئ" يزيد من ترسيب "الكوليسترول" على جدران شرايين القلب، ما يجعل المرأة بعد توقف إفراز المبيض للإستروجين أكثر عرضة للإصابة بتصلب الشرايين والجلطات وأمراض القلب وضغط الدم. وقد أشارت دراسات صادرة عن "مستشفى نورثويسترن ميموريال" Northwestern Memorial Hospital بشيكاغو إلى أن معظم المشكلات الصحية التي تمرّ بها المرأة بعد الخمسين تنتج عن الاضطرابات التي تحدث في هرمون "الإستروجين" نتيجة انقطاع الطمث، حيث ترتفع بشكل كبير فرص الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وثمة وصايا يُنصح بها الأطباء للوقاية من المرض لدى النساء ما بعد منتصف الأربعين وبداية الخمسين، منها:
* الفحص الدوري، ويشمل: قياس ضغط الدم ومستويات الكوليسترول الجيد والسيّئ والدهون الثلاثية بالدم وتخطيط القلب الكهربائي.
* الامتناع عن الإفراط في الوجبات السريعة والجاهزة أو الأطعمة المصنّعة والمحتوية على مكسبات الطعام والمواد المضافة.
* الإكثار من الخضر والفاكهة الطبيعية لعدم احتوائها على دهون قد تتسبّب في ضيق الشرايين، كما الأطعمة المحتوية على "الأوميغا _ 3" كالأسماك البحرية والزيوت النباتية.
* تجنب الضغوط العصبية وعوامل التوتر والقلق.
* الإمتناع عن التدخين والحذر من التدخين السلبي.
* ممارسة الرياضة بصورة منتظمة لتقوية عضلات القلب وتسريع تدفّق الدم في الشرايين.
* ملاحظة الحالات المرضية الأخرى المصاحبة لأمراض القلب، كارتفاع ضغط الدم والسكري.
3 السمنة المركزية:
يرى خبراء في "منظمة الصحة العالمية" أن شكل الجسم يبدأ في التغيّر بعد انتهاء مرحلة الخصوبة، حيث يتبدّل توزيع الدهون ليتركّز حول منطقة الخصر والبطن في ما يعرف بـ "السمنة المركزية" أو "السمنة الموضعية". وقد ذكرت "الصحيفة الطبية الأسترالية"Medical Journal Of Australia أنه من الضروري توعية السيدات بمخاطر الأيض والقلب والأوعية الدموية التي تصاحب هذا النوع من السمنة في مرحلة ما بعد الخمسين، ومدى تأثير انسحاب هرمون الإستروجين من الجسم على سرعة إعادة توزيع الدهون. وبشكل عام، فإن الزيادة في الوزن في خلال هذه المرحلة تنجم أساساً عن انخفاض مستوى النشاط البدني والأيض، مع التقدم في السن. لذا، ينبغي تشجيع الأمهات على الحفاظ على نشاطهن البدني وممارسة رياضة المشي بشكل يومي حتى في ظل بعض المعوقات كالتهاب المفاصل وترقّق العظام وألم الركبة. ووفقاً للتوصيات القومية للنشاط البدني بأستراليا، يجدر بالبالغين القيام بما لا يقلّ عن 30 دقيقة من النشاط معتدل الكثافة كالمشي المعتدل أو الهرولة أو السباحة.
4 التغيّر في مستويات سكر الدم:
يؤثر كلّ من "الإستروجين" و"البروجيسترون" على استجابة خلايا الجسم لهرمون "الأنسولين" المسؤول عن توازن السكر في الدم، وبالتالي إن ما يحدث بعد انقطاع الطمث من تغيير في مستوى الهرمونات يؤدي إلى تأرجح في نسبة السكر في الدم، ما يجعل من الصعب السيطرة عليه، علماً أن الخلل في معدل السكر في الدم يدفع الجسم في حلقة مفرغة من الشعور بالجوع والرغبة في تناول الطعام. ولذا، ينصح الأطباء السيدات بعد الخمسين بإجراء فحوص دورية للكشف عن السكري أو مراقبة أي خلل مرتبط بمستوى سكر الدم بصورة منتظمة تخوّل الحفاظ على مستوى السكر الطبيعي في الدم وبقائه في نطاق السيطرة. ومن جهة أخرى، قد يتسبّب خلل سكر الدم في هذه المرحلة في حدوث مضاعفات صحية خطرة، كتلف الأعصاب واعتلال الشبكية والأوعية الدموية. وللوقاية من هذا الخلل وارتفاع سكر الدم، توصي "الجمعية الأميركية للسكري" بالتالي:
* الحفاظ على النشاط البدني وتحرير الطاقة المختزنة في الجسم، ما يساعد على إحراق الدهون وتحسين الأيض بشكل عام.
* إنقاص الوزن والحفاظ على وزن صحي، حيث تعاني غالبية النساء في مرحلة الخمسين من زيادة ملحوظة في الوزن نتيجة السرعة في اختزان الدهون.
* تجنّب تناول الأطعمة المحتوية على الدهون المحوّلة والدهون المشبعة والكربوهيدرات المكرّرة.
* الإقلاع عن التدخين.
* اتباع نمط صحّي سليم ومتوازن.
5 أورام الثدي:
يجمع الباحثون في الهيئات والمنظمات الصحية المختلفة على أن تعرّض الجسم لفترات طويلة ولكميات كبيرة من هرمون "الإستروجين" تزيد من خطورة إصابة خلايا الثدي بالأورام السرطانية. ووفقاً لما ذكره المركز الطبي بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، في هذا الإطار، إن السيدات اللاتي يتعرّضن لانقطاع الطمث بعد سن 54 سنة، يواجهن بصورة أكبر الإصابة بأورام الثدي مقارنة بغيرهن ممّن دخلن مرحلة انقطاع الطمث في سن أصغر، كما يؤدي تأخير الإنجاب أو العلاج الهرموني التعويضي أو استخدام عقاقير منع الحمل لفترات طويلة إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي عند تناولها لفترات طويلة بدون إشراف طبي دقيق. ويمكن اكتشاف أي تغيّر في الثدي، كوجود تكتّلات صلبة فيه أو تحت الإبط أو خروج إفرازات أو دم من حلمته من خلال الفحص الذاتي الذي يجدر بالمرأة أن تقوم به كل شهر، بالإضافة إلى ضرورة إجراء فحص دوري سنوي عبر استخدام جهاز "الماموجرام" ابتداءً من سن الأربعين.
6 الكبد الدهني:
تفيد دراسة صادرة عن "صحيفة مبحث أمراض المعدة والأمعاء العالمي"World Journal of Gastroenterology أن معدّل مرض دهون الكبد اللاكحولي، أي تراكم الدهون في كبد من لا يتناولون الكحول نتيجةً لبعض العوامل، قد تتزايد بين السيدات خصوصاً مع التقدم في السن، حيث تبلغ بين 6% لدى النساء قبل انقطاع الحيض، لترتفع إلى 15% بعد سن انقطاع الحيض. ويرتبط الكبد الدهني عادة بالسمنة وارتفاع نسبة "الكوليسترول" والدهون الثلاثية بالدم والنوع الثاني من السكري ومقاومة خلايا الجسم للإنسولين وحالات اضطرابات الأيض. ويعتبر الكبد الدهني من أبرز الأسباب المسؤولة عن قصور وظائف الكبد، وتكمن خطورة المرض في إمكانية حدوث التهاب أو تليّف به. وينصح بإجراء الفحوص الطبية اللازمة كقياس نسبة انزيمات الكبد واستخدام الأشعة فوق الصوتية، مع ضرورة اتباع نظام غذائي يهدف إلي إنقاص الوزن وممارسة الرياضة والسيطرة على الأمراض المصاحبة كالسكري وارتفاع الكوليسترول بالدم والسمنة، في هذا المجال.