ليست "البتراء" وحدها من عجائب الدنيا السبع، وهذه القناعة يبنيها السائح بعد أن يتجول في الخارطة الاردنية المترامية الأطراف ويتعرّف الى أبرز الوجهات السياحية وما تحتويه من كنوز طبيعية وأثرية ودينية، مثل "البحر الميت" وينابيع "ماعين" الساخنة وصحراء وادي "رام" وميناء "العقبة" السياحي والمحميات الطبيعية الجبلية موطن السياحة البيئية.
تستقطب السياحة في الأردن عدداً كبيراً من السيّاح العرب والأجانب، وفي موازاة هذا الزخم السياحي يبرز دور هيئة تنشيط السياحة في الأردن التي تعمل على تفعيل القطاعات السياحية كافة وتعريف العالم الى أبرز الوجهات السياحية وكيفية التمتع بالتنوع الموجود فيها.
قبل التوجه الى الأردن تلبيةً لدعوة من هيئة تنشيط السياحة، كانت لدينا فكرة عن طبيعة السياحة في هذا البلد، ولكن التجربة على الأرض خلال الرحلة كشفت لنا وجهاً مدهشاً تمثّل في فرادة بعض الأماكن التي شملتها الرحلة، بحيث تسنّى لنا التعرّف عن كثب على الارث الحضاري والتاريخي الذي تنعم فيه.
اليوم الأول
من الطبيعي أن تبدأ الرحلة من مطار الملكة علياء الدولي على متن الخطوط الملكية الأردنية، ومن هناك بدأت زيارتنا بجولة على العاصمة الاردنية عمّان التي تقوم على 19 جبلاً، وشملت: جبل القلعة وسبيل الحوريات والمدرج الروماني الذي تقام فيه المهرجانات والجانب القديم من المدينة المسمّى "داون تاون" الذي يجسّد قلب عمان النابض وبيوتها المتلاصقة التي تمثّل لحمة ساكنيها وترابطهم. وقد تحوّلت سطوح بعض الأبنية المنخفضة في أحياء العاصمة الى مراكز تجمع ترفيهية ومقاه شبابية، بمبادرة من سكّان هذه الأحياء لتعزيز الحياة الاجتماعية. بين عمّان القديمة وعمّان الحديثة، لا يشعر الزائر بحاجز الزمن، اذ تشكّل عمان الحديثة امتداداً للارث الموجود في تاريخ المدينة، في حين تبرز النهضة العمرانية من خلال سلسلة من المشاريع الضخمة والتي يتوقع فور انجازها أن تحدث تغييراً ملحوظاً في معالمها. ليل عمّان لا يكتمل الا بجلسة في أحد مطاعمها العربية والسهر داخل خيمة بدوية هي جزء اساسي من الديكور، وعلى مائدة منخفضة في وسطها صحن نحاسي ونارجيلة تحت الطلب وفنجان قهوة بالهال من يد الساقي بثوبه التقليدي!
اليوم الثاني
من عمّان الى "ماعين" المنتجع الطبيعي والعلاجي الذي يضمّ شلالات المياه الساخنة المتدفّقة من أعالي الجبال لتتكوّن عند أقدامها البرك الطبيعية الساخنة التي يرتادها السيّاح من كل انحاء العالم للاستمتاع بفوائدها العلاجية المتمثّلة بالمعادن والأملاح. وفي "ماعين"، تحلو المغامرة لمن يحب التجوّل سيراً بين جداول المياه الساخنة أو الوقوف تحت شلال صغير للاستحمام بهذه المياه والنهل من فوائدها. أمّا لمن لا يتقن فن المغامرة فبإمكانه الاستفادة من مياه "ماعين" المتدفقة لتتجمّع في بركة المنتجع السياحي الوحيد فيها، وهو كناية عن فندق ايفاسون( 5 نجوم ) من سلسلة فنادق six senses العالمية والذي يضم "سبا" خاصاً شيّد عند أسفل احد الشلالات، ومن ضمنه بركة المياه الحارة التي تصل درجتها الى 50 درجة مئوية. ويبدو المشهد سوريالياً من شرفة هذا الفندق، حيث يتصاعد البخار من المياه المتدفّقة من الجبال الصخرية وتختلط ألوان المعادن عند غروب الشمس لترمي بانعكاساتها المتموجة على تضاريس الجبال! وليس أفضل من العشاء في أحضان الطبيعة وسط أشجار الزيتون على ايقاع موسيقى الشلال والشجن المتمثّل في صوت المغني البدوي وهو يعزف على العود أغاني البادية، في حين يدعونا مضيفنا من هيئة تنشيط السياحة خالد الرقاد الى اكتشاف كيفيّة تحضير طبق "الزرب" الوجبة الرئيسية الأردنية، وهي كناية عن وعاء للشواء والطهي يوضع في حفرة في التراب ويطمر بغطاء نحاسي تغطّى جوانبه بالكامل بالتراب أو الرمل منعاً لتسلّل الهواء الى الطبق الذي يتألف عادة من اللحوم والدجاج والأرز والخضر. وقد كشف الطاهي عن حفرة "الزرب" للحضور ومعظمهم من جنسيات أوروبية في احتفالية مشوّقة، ليعلو بعدها التصفيق. يحلو النهوض باكراً في ماعين لمتابعة خيوط الشمس المتسلّلة من وراء الجبال لتنسكب أشعتها مع مياه الشلالات، ولكي نتحضر الى رحلة استكشاف جديدة حيث كانت البتراء وجهتنا المقبلة.
اليوم الثالث
البتراء المدينة الوردية، والتي اختيرت من بين عجائب الدنيا السبع، هي قبلة السياحة الأردنية.تبعد عن عمّان 262 كيلومتراً، لذلك استغرقت رحلتنا من «ماعين» الى البتراء حوالي 3 ساعات ونصف.
تلفتنا جلبة عربات الخيل والجمال والحمير عند مدخل البتراء، والتي قد تشكّل لبعض الزائرين وسيلة نقل بديلة عن السير على الأقدام، ولا سيما أن الرحلة من المدخل الى نهاية المطاف قد تستغرق 3 ساعات، ولكن غالباً ما تكون الخطى محفوفة بدهشة استكشاف المدينة الزهرية التي بناها الأنباط قبل ألفي عام.
الرحلة تبدأ من" السيق" أي الشق الصخري الذي أحدثته الزلازل وتحوّل بالتالي الى معلم أساسي، ومن ثم تظهر الخزنة المحفورة في الصخر وهي المكان الأكثر شهرة، ونتابع الجولة داخل "المدينة النبطية"، تتخلّلها استراحات متفرّقة في خيام ومقاه توزّعت في عدة محطّات من ضمنها أماكن لبيع التذكارات. وقد أفادنا مرافقنا ان الجزء المكتشف من البتراء يشكّل نسبةً صغيرةً من المدينة القديمة، وان أعمال الحفريات والتنقيب لم تزل جارية. ومن الروايات التي تحكى أن عالم اثار أميركياً فتنته البتراء، بعدما أمضى سنوات في التنقيب بين اثارها، حتى اوصى بعد موته بحرق جثته وذرّ رمادها فيها. ويذكر أيضاً محبو سلسلة "انديانا جونز" أن بعض مشاهد فيلم "انديانا جونز اند ذي لاست كروسايد" قد تم تصويرها في البتراء، ممّا طبع المكان بشهرة عالمية واسعة. توفّر أيضاً البتراء» فرصة لزائريها من خلال ليلة خاصّة كل أسبوع، تستقبل فيها الزوار على ضوء الشموع، بحيث تبرز هيبة المدينة الزهرية عندما تتراقص ظلال الشموع عليها. وبين ماعين والبتراء وأماكن كثيرة زرناها في الأردن، ثمة قاسم مشترك واحساس فريد يشعر به معظم الزوّار والسيّاح يتمثّلان في متعة العبور الى زمن غابر مختلف عمّا نعيشه في يومياتنا المليئة بهموم العصر وهيمنة التكنولوجيا. وفي البتراء أيضاً، نختبر حسن الضيافة في فندق "موفمبيك" الذي يقع على مسافة قريبة جدا من المعلم السياحي، ونختم نهارنا في أحد مطاعم المنطقة التي تنتشر بكثرة الى جانب المقاهي على طبق "منسف"، بينما يحاول مضيفنا اقناعي بتناوله وفق أصوله أي باليد والتخلّي عن الشوكة والسكين. ولكن، عبثاً يحاول وما باليد حيلة!
فنادق (5 نجوم) ننصح بالاقامة فيها:
فندق «ريجنسي بالاس»، في وسط «عمّان» الحديثة.
فندق وسبا «ايفاسون» Evason في شلالات «ماعين».
فندق «كيمبنسكي»، في «البحر الميت».
فندق «موفمبيك»، في «البحر الميت».
فندق «موفمبيك»، في «البتراء».
اليوم الرابع
قارب إليسار اللبناني
من البتراء، حطّت رحالنا في العقبة على البحر الأحمر جنوب عمّان. مدينة تعد بمستقبل سياحي زاهر، والدليل: مشاريع استثمارية سياحية ضخمة قيد الانشاء تفاجئنا في ضخامتها وتؤكد على ثقة المستثمرين الكبار بمستقبل السياحة في العقبة، ربما لمنافسة جارتها المقابلة على الشاطىء الآخر شرم الشيخ. العقبة، مدينة هادئة مسترخية على شعاب المرجان وتستهوي محبي الرياضات المائية حيث يوجد نادٍ للغطس في "نادي اليخوت الملكية" ..
الزميلتان كاتيا دبغي وكلودين كميد في قارب إليسار اللبناني
وفي زيارة سريعة قمنا بها للنادي، تسنّى لنا التعرف الى أهمية هذا المكان من حيث استقطابه لعدد كبير من ممارسي رياضة الغطس في العالم. هذا، الى جانب تنوّع وظيفة اليخوت بحيث يستخدم بعضها لرحلات سياحية ومن ضمنها قارب "أليسار" اللبناني. نعم! ومن يتخيل قارب ملكة قرطاج وصور يرسو على ميناء العقبة بشكله الفريد ويشكّل علامة فارقة بين اليخوت الحديثة المجاورة. وقد أخبرنا قبطان السفينة انه اشترى هذا القارب من رجل لبناني من ال بربور، وهو مصنوع من الخشب ويعلو مقدمته رأس خيل، ولا أنفي احساساً بفخر راودني وأنا على متن "أليسار" اللبنانية في البحر الأحمر. بعد وجبة غداء من سمك العقبة، كانت انطلاقتنا نحو وادي رام، الصحراء المختبئة خلف جبال الرمل الحجري والتي شهدت تصوير فيلم عالمي اخر هو لورانس العرب .
في وادي رام، تبدأ المغامرة فور الدخول الى مركز الزوّار الذي يقدّم خدمات متنوعة، مثل التنقّل في الصحراء على الجمال أو ركوب منطاد أو رحلة سفاري وغيرها من وسائل استطلاع معالم الوادي. وعند المساء، سيكون المبيت داخل مخيم (5 نجوم) هو واحد من المخيمات التي تنتشر في الوادي المخصّصة للمنامة، في ظل غياب فنادق للحفاظ على طبيعة المكان الفطرية. يحدث وادي رام برماله الملوّنة وجباله المتشعبة والمنحوتة بأشكال مموّهة تأثيراً على معظم زائريه، حيث يفرض المكان رهبةً واضحةً فور الوصول اليه ويشعر برغبة مفاجئة في التجاوب مع نداء الطبيعة في الوادي للتخلي عن كل الشكليات والانطلاق في مغامرة صحراوية على متن جيب سفاري، مستسلمين لقيادة السائق الجنونية والذي كان صراخنا يدفعه للمزيد من التعرجات والبهلوانات! وبعد المغامرة، يحلو الجلوس على هضبة رملية لمراقبة كيفية غروب الشمس والذي لم تتمكن كاميراتنا، رغم جودتها، من التقاط كل جمالية المشهد. بعد السفاري، كان سفر اخر. من يتخيل أنّنا سننام الليلة في خيمة؟فمكان المبيت كناية عن مخيم كبير يضم عدّة خيم للمنامة وجلسات بدوية ومواقد نار مشتعلة تفوح منها روائح القهوة والشاي. في المخيم، سيّاح من مختلف الجنسيات أتوا لاختبار تجربة فريدة وللتعرّف الى حياة البداوة في أبهى صورها، حيث يعتبر مخيم كابتن ديسرت Captain Dessert Camp أفضل مخيّم في وادي رام ويقدّم خدمات الفنادق المعروفة، مثل بوفيه العشاء والفطور. صحيح اننا اختبرنا في رحلتنا المستوى الخدماتي الراقي في الفنادق التي حللنا فيها في مختلف المدن والمناطق الأردنية، ولكن طعم الاقامة في وادي رام بقي ملازماً للذاكرة لكونه يرتبط باحساس الانفصال عن الزمن.
اليوم الخامس
من وادي رام، كانت الرحلة الطويلة الى البحر الميت. في البحر الميت، تفوح رائحة الجماد ويطفو السكون على مشهد البحر الشهير بملوحته الشديدة ومعادنه. تنتشر المنتجعات والفنادق الفخمة على بعض شواطئه، مثل فندق كيمبنسكي الذي استضافنا في احدى فلله المطلّة على البحر وفندق موفمبيك المجاور له. التجربة في البحر الميت لا تكتمل الا بالنزول الى البحر للاستفادة من المعادن والأملاح، ومن ثم التحوّل الى مجهولي الهوية أو الصورة بعد الطلاء الكامل بالطين. انه القناع الضروري الذي ينبغي تجربته لكي تكتمل الزيارة الى البحر الميت، وقد أصبح المكان مقصداً للسياحة العلاجية. من هنا، اخترنا أن نتزود بعدد كبير من الهدايا من الصابون والأملاح والزيوت كذكرى من البحر الميت وأن ندلّل انفسنا بجلسات تدليك داخل السبا التابع لفندق موفمبيك، ومن ثم في السبا الخاص بفندق كيمبنسكي.
خمسة أيّام كاملة أمضيناها في ربوع الأردن، ولكن بقي الكثير من الأماكن التي تستحق الزيارة ولم تتسن لنا فرصة زيارتها، مما يشكّل دليلاً على غنى هذه البلاد وتنوّعها السياحي، والعمل جار على تنشيط كافة أنواع السياحات مثل السياحة الدينية والسياحة العلاجية والسياحة البيئية.