بعض الآباء يسعدون فترات قليلة بصمت أطفالهم وهم يجلسون، والحقيقة أنهم لا يكونون ساكنين؛ حيث إنها مجرد لحظات قليلة تدور فيها عقولهم وتعمل بشكل مستمر، في أشياء لا يمكن أن تخطر على البال؛ لتظهر في شكل أسئلة تلاحقهم وتدور برؤوسهم عن: بعض المقربين، علاقتهم بالأصدقاء، وأسئلة أخرى كثيرة تبدو محرجة على آذان الآباء والأمهات، و قد لا يجدون لها إجابة في الكثير من الأوقات!
وهنا يأتي دور الأب الواعي المتفهم لتفتح طفله على العالم الجديد الغريب من حوله، ووظيفة الأم المدركة لاحتياجات الطفل، التي تحترم فضوله كذلك، وعليهما معاً أن يتقربا من الأطفال ويتحدثا معهم.
التقرير التالي يضع بعض القواعد والإرشادات للتعامل مع أسئلة الطفل المحرجة، كما يعرض بعضاً من هذه الأسئلة. اللقاء وأستاذ طب نفس الطفل وخبير التربية الدكتور عابد المالكي؛ للشرح والتفسير.
معلومات تهمك
الأسئلة المحرجة التي يطرحها الأطفال، ليست محرجة بالنسبة إليهم، بل هي دليل على أن عقلهم نشط ويعمل بشكل جيد، والسؤال محرج فقط للكبار؛ نظراً لعدم معرفة الطريقة الصحيحة للإجابة.
هناك ضرورة للبحث والمعرفة من قبل الآباء، قبل أن يقعوا فريسة لأسئلة أطفالهم، وعليهم الإجابة بصدق حتى لا يفقدوا مصداقيتهم في عيونهم؛ ما يدفعهم للبحث بمكان آخر، وعدم الإجابة أو تحريفها يؤثر في تفكير الطفل طوال عمره.
يبدأ الأطفال في عمر 3 سنوات، وربما قبل ذلك، في السؤال عن كل شيء يحيط بهم، سواء أكانت لذلك إجابة أم لا، أسئلتهم ليست لها حدود، وأحياناً لا تُشبع الإجابة فضول الطفل، كما يسألون عن أسباب الإجابة أيضاً.
يلعب الفضول الفطري لدى الأطفال دوراً كبيراً في دفعهم للسؤال عن كل شيء، وفضولهم هذا يساعدهم على بناء المفاهيم واكتساب المهارات، وتعلم المفردات وفهم المجهول؛ فكل شيء بالنسبة إليهم جديد ومثير، وهم يريدون استكشافه أكثر.
في هذا المجال قام باحثون من جامعة ميشيغان الأمريكية بدراسة أظهرت أن فضول الأطفال يبدأ نشاطه في عمر 3 سنوات تقريبا؛ لتعلم المزيد عن بيئتهم، وطريقتهم لذلك طرح الأسئلة.
وأشارت الدراسة إلى أن هذه الأسئلة التي يلقيها الأطفال تنبع من احتياجهم لتفسير ما يثير فضولهم، بمعنى أنهم يحاولون إيجاد إجابات حقيقية لأسئلتهم، لا لجذب الانتباه أو الحصول على الاهتمام أو إطالة المحادثة فقط، كما يظن بعض الآباء والأمهات.
ولدى الأطفال في هذا العمر قدرة على فهم العلاقات بين الأشياء؛ لذلك عندما يطرحون سؤالاً، فإنهم قادرون على فهم وتعلم كيف تجري الأمور ولماذا تحدث، عندما يستمعون الإجابة.
نماذج لبعض أسئلة الأطفال المحرجة
كيف جئت إلى الدنيا يا أمي؟
يجب أن تكون الإجابة واضحة وصريحة حتى تصل لعقل الطفل فوراً، ويفضل إحضار صور حفل الزفاف، مؤكدين له أنه عندما تقابل الأب والأم معاً، وبدأ الحب ينمو في قلبيهما قررا الزواج وعمل حفل زفاف، ومن هنا جاءت الأطفال.
أنا غير صاحبي في الشكل!
أنا أبيض وصديقي أسمر؛ لماذا؟! أو أنا غير صاحبي في الشكل، هنا يمكنك فتح آفاق التخيل له في قدرة الله على الخلق؛ فهو لم يخلق الأبيض والأسمر فقط، بل خلق لكل واحد في الكون شكلاً يميزه عن باقي المخلوقات، ولكن يظل الأفضل خُلقاً هو صاحب الأخلاق والقيم والسلوك الطيب.
"لماذا يجب أن أتناول الفطور؟"، "لماذا نسير في هذا الطريق؟"، "لماذا غربت الشمس؟"، "لماذا يبكي هذا الطفل؟"، "لماذا ننام؟"، وغيرها من الأسئلة التي قد تبدو غير منطقية، لكنها في الحقيقة وسيلة طفلك للتعرف إلى العالم من حوله وتنمية مهاراته المعرفية.
3- فضول الطفل بين تقدمه الدراسي وإزعاج الوالدين
ولا شك أن أسئلة الطفل المستمرة تتسبب في إزعاج الوالدين أحياناً، وقد يشعرون بالإرهاق من تحدث الطفل بلا انقطاع، وربما لا يكون الوقت مناسباً للمناقشات، أو يشعرون بالإحباط لعدم القدرة على إجابة جميع الأسئلة.
ورغم ذلك، تجب الإجابة عن سؤال الطفل قدر المستطاع، مع تجنب كبح فضوله، والنظر إلى أسئلته على أنها فرصة لتعليمه مناحي الحياة، وهو مرحب ومنفتح على ذلك، دون صده.
وخلصت دراسة أخرى من جامعة ميشيغان أُجريت على 6200 طفل في سن الروضة إلى أن فضول الطفل مرتبط بقدراته التعليمية؛ فكلما زاد فضوله، زادت احتمالية أدائه في المدرسة بشكل أفضل.
وإلى جانب الفوائد التي تعود على عقل الطفل، تقوي هذه الأسئلة ارتباطك بطفلك، وتخلق حواراً بينكما، للتعرف إليه بشكل أكبر ومعرفة ما يحب وما يثير اهتمامه.
وبطبيعة الحال لا يملك معظم الآباء الإجابات والتفسيرات لهذه الأسئلة طوال الوقت، كما أن سماع "لماذا" مراراً وتكراراً قد يكون مرهقاً حقاً؛ فكيف يمكنك مساعدة طفلك على التعلم بطريقة إيجابية؟
نصائح الخبراء التي قد تساعدك
أجيبي عن سؤاله
هذا هو الخيار الأول بالطبع، عليك أن تستغلي فرصة سؤال طفلك وانفتاحه لتعلم شيء جديد، كما عليك أن تقدمي له إجابة فورية ومباشرة، قد تكون قصيرة أو مفصلة، حسب معلوماتك وعلمك بما يمكنه استيعابه.
وإذا كان لديك المزيد من الوقت والمعلومات، ولدى طفلك اهتمام أكبر وقدرة استيعابية، يمكنك تقديم المزيد من المعلومات المفصلة حول ما يريد فهمه، والتطرق إلى موضوعات ذات صلة.
ابحثي معه عن الإجابة
لا بأس عند عدم معرفة إجابات لأسئلة طفلك جميعها، يمكنك ببساطة إخباره أنك لا تعرفين هذه المعلومة ويجب أن تبحثي، اطلبي منه تذكيرك إذا نسيت.
ويمكنكما البحث والاستكشاف معًا من خلال قراءة الكتب أو تصفح الإنترنت أو سؤال صديق مطلع على الموضوع الذي تبحثان عنه.
اسأليه "لماذا؟"
يمكنك مساعدة طفلك على التفكير من خلال إعادة السؤال إليه؛ حتى يساعده ذلك على التفكير والتوصل إلى الإجابة والتفسير الصحيح لما يثير فضوله.
تحلَّي بالصبر، بينما يفكر هو؛ أظهري اهتمامك بما يقوله، وتجنبي إظهار استيائك إذا لم يتوصل إلى الإجابة الصحيحة؛ فالهدف هو مساعدته على التفكير وليس التوصل إلى إجابة صحيحة.
اطلبي منه تأجيل الإجابة
في كثير من الأحيان، لا يكون الوقت مناسباً للرد على أسئلة طفلك، وقد يشعرك ذلك بالضيق والغضب لعدم توقفه بينما أنت مشغولة بشيء آخر.
يمكنك في هذه الحالة التوقف مؤقتاً عما تفعلينه، وإبداء اهتمامك بقول "هذا سؤال رائع حقاً!"، واطلبي منه بلطف أن يؤجل سؤاله لوقت الغداء، أو قولي له إنك ستجيبينه عندما تنتهين مما يشغلك.
لا تظهري استياءك من أسئلته المحرجة
عندما يسألك طفلك سؤالاً محرجاً أو لا تودين الإجابة عنه، مثل سؤال "لماذا تبدين غاضبة عندما ترين جارتنا؟"، أو "لماذا يبدو بيت خالتي غير مرتب طوال الوقت؟"، حاولي ألا تبدي استياءك من طفلك أو نهره عن سؤاله، وحاولي منحه إجابة بسيطة يمكنه فهمها، أو اطلبي منه تأجيل الإجابة حتى تفكري في إجابة مناسبة.
لا تتجاهليه
عندما تتجاهلين سؤال طفلك وتطلبين منه الصمت أو التوقف عن طرح أسئلة غير منطقية وسخيفة، ربما يتوقف عن سؤالك أنت، لكن سيستمر فضوله، ويبحث عن مصدر آخر لإجابته، وقد لا يرشده الآخر بالطريقة الصحيحة وقد يزوده بمعلومات خاطئة.
* ملاحظة من "سيدتي وطفلك": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك باستشارة طبيب متخصص.