في كل الشوارع وفي كل حي من مدن أمريكا اللاتينية، تجد أطفالاً في الساحات وعند المقاهي وأمام المطاعم، وفي محطات النقل وأمام دور السينما؛ وكذلك في الأماكن المهجورة والخرابات. أطفال بوجوه شاحبة وأجساد هزيلة يعرف بأنها تفتقر إلى الكثير من عناصر الصحة في أدنى مستوياتها. ويشعر المرء بأنهم فقدوا ذلك البريق الذي تراه عادة في أعين الأطفال. وعندما تتحدث إلى أحدهم فإنك تشعر بأن الحالة النفسية للأطفال منهارة والدموع في الأعين واضحة تنهال بسرعة.
أعداد تزداد
لقد أضحت أحلامهم موقوفة عن التنفيذ بعدما اقتلعهم القدر من أحضان أسرهم الدافئة، ليدمج بهم في عوالم مجهولة المعالم، تتحول حياتهم إلى جحيم يكتنفها الغموض ويطبعها اليأس والحرمان، والمشكلة الأكبر في أمريكا اللاتينية، مشردون هم كصغار لايعرفون الأسباب الحقيقية لذلك، ولكنهم يدركون بأنهم في عالم ليس لهم فيه معين.
أعدادهم تزايدت بشكل مخيف في نهاية القرن الماضي وحتى خمس سنوات مضت. دراسة لمعهد أونيكامب البرازيلي للإحصائيات الاجتماعية كشفت بأن عددهم وصل إلى أربعين مليوناً في أمريكا اللاتينية حتى نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، بينهم خمسة وعشرون مليوناً في البرازيل لوحدها والباقي موزعون على دول أخرى في القارة، مثل فنزويلا وكولومبيا وبوليفيا وغواتيمالا، والأكوادور وكولومبيا والباراغواي، فيما الفئات العمرية الأكثر تأثراً ومعاناة بين أطفال الشوارع تتراوح بين سن السابعة والثانية عشرة، وتكون غالبيتهم العظمى من الذكور لأن الإناث لا يشكلن نسبة كبيرة من المجموع.
نتائج الدراسة
جاءت في الدراسة البرازيلية أن الخلفية التاريخية لظاهرة أطفال الشوارع ليست وليدة اليوم ولكنها تعود للقرون الوسطى. بحيث كانت هناك عصابات للأطفال المشردين منتشرة في أرجاء أوروبا وروسيا وكذلك في اليابان، وقد أفرزت الثورة الصناعية في أوروبا وفي أمريكا الشمالية في القرن التاسع عشر هذه الظاهرة إلى الحد الذي قبلت به كجزء من الشكل العام للمناطق الحضرية، واعتبرت الأمر ثابتاً في زمن الاضطرابات الاجتماعية أو التحول السريع.
أما في أمريكا اللاتينية فإن وجود أطفال الشوارع نُظر إليه على أنه يهدد الممتلكات ومؤسسات الرأسماليين، ولذلك كانت هناك محاولة لإزالتهم جسدياً في الفترة ما بين عامي 1853و 1890 أو ترحيلهم من بلد لآخر في هذه القارة الواسعة، ولكن المشكلة لم تحل بل زادت وتشعبت مفرزاتها السلبية في المجتمع، بحيث بدت وكأنها كابوس يرقد على نفوس الناس، بحسب وصف الدراسة البرازيلية.
التطورات الاقتصادية والاجتماعية في الدول الصناعية والرأسمالية كانت لها أثر كبير في نشوء عدد من المشكلات الاجتماعية التي ساهمت وساعدت على توسع ظاهرة أطفال الشوارع التي أصبحت ظاهرة عالمية فيما بعد .
التشرد هو سمة أطفال الشوارع
يتفق الجميع على أن التشرد هو سمة من سمات أطفال الشوارع. والتشرد يعتبر من أسوأ الحالات التي يمكن أن تصيب الإنسان. فلا مكان يلجأ إليه ولا أناساً يهتمون به ولا مصدراً للمال والطعام. فيغلب على المشرد الجوع ويهزل جسده وتصيبه مختلف الأمراض مهما كانت بسيطة بسبب فقدان التغذية.
ومفهوم الطفل، هو بقاء الإنسان في العراء لفترات طويلة، والمبيت في أي مكان يختلف أحياناً تبعاً للظروف، فالمتشرد إنسان بلا مأوى، لا ينعم بالأمان في بيت له باب وسقف وجدران، إنه إنسان مهمش، لا ينظر للمستقبل بنفس نظرة الإنسان السوي، فكل حياته هي اللحظة التي يعيشها، ومنتهى أحلامه أن يمر يومه بدون مشكلات أو اعتداءات، ولكن جراح ماضيه دائماً تطارده وفي بعض الأحيان تدعوه للانحرافات بكل أنواعها.
والتشرد في الحقيقة هو ظاهرة جاءت وتولدت من إفرازات التمدن الجديدة، والحضارة الحالية، بحسب شرح الدراسة البرازيلية، فهو إذن جزء من ضريبة للمدنية الحديثة. وبه نصل إلى أن الحالة ظاهرة عالمية ولكن مركزها في أمريكا اللاتينية.
ومن الأسباب الأساسية أيضاً التي أنتجت مشكلة التشرد وأطفال الشوارع، هي التغيرات المناخية التي أعطت بعض الظواهر الكونية الخطيرة كظاهرة الجفاف والتصحر التي عصفت بمعظم دول أمريكا اللاتينية في ثمانينيات القرن الماضي.
الهجرة من الريف إلى المدن
ازدياد أعداد أطفال الشوارع دفعت بالناس إلى الهجرة نحو المدن، ما خلق أحياءً عشوائية من الخيام والصفيح والطين، تحولت إلى مرتع للجريمة والتشرد. ولا يجب أن نغفل أيضاً تلك الحروب والصراعات التي أزّمت من الوضع والتي دفعت بالنزوح والفرار من هذه التطاحنات العرقية، مما أدى إلى ارتفاع حالة التسكع والتشرد والتشرذم.
وهكذا نلاحظ بأن ظاهرة التشرد التي تفرز بشكل مباشر أطفال الشوارع، أضحت مؤشراً خطيراً يؤثر سلباً على المردود الاجتماعي في البلدان التي تعاني من هذه الظاهرة، بحيث يتحول هؤلاء الأطفال أو الشباب إلى طاقة هدامة تؤثر على سلامة مجتمعاتهم إذا لم يتعامل معها المهتمون بنوع من المسؤولية والحكمة، لأن امتلاء المدن بالمشردين يؤثر على مستويات الخدمة ويشكل ضغطاً على كافة المجالات الأمنية والصحية وغيرها. وبالمقابل فإن هؤلاء المشردين سوف يلجأون إلى مجموعة من النشاطات الطفيلية كالمتاجرة بالأشياء الممنوعة ومن بينها تجارة المخدرات.
من هم أطفال الشوارع؟
تعريف أطفال الشوارع في أميركا اللاتينية
هناك اختلاف كبير في تحديد مفهوم طفل الشارع كمصطلح، لأن لفظ الأطفال المشردين يتنوع بتنوع الثقافات والمسميات، فعلى سبيل المثال يطلق على هؤلاء الأطفال، الأطفال غير المحميين أوغير المدافع عنهم في أمريكا اللاتينية.
كذلك يجب هنا التمييز بين أطفال الشوارع والأطفال المحرومين بدول العالم الثالث الذي تنتسب إليه أمريكا اللاتينية، كذلك تمييزهم عن الأطفال الهاربين أو الأطفال المشردين في الغرب، وذلك بالاعتماد على درجة المشاركة مع العائلة وشدة السلوك المنحرف الذي يظهره هؤلاء الأطفال، ويضم هذا المصطلح مدى واسعاً من الخصائص الاجتماعية.
وقد وضع في سنة 1983 التعريف الذي كان الأكثر قبولاً لمصطلح أطفال الشوارع من قبل برنامج المنظمات غير الحكومية الدولية المهتمة بأطفال الشوارع وشباب الشوارع. ويشير هذا المصطلح إلى أن أطفال الشوارع هم أولئك القاصرون الذين يوجدون في الشوارع، بحيث تصبح الشوارع وكأنها منازلهم بحيث لا تتوافر لهم أي رعاية ولا حماية أوإشرافاً، ولا يخضعون لإشراف ومسئولية الكبار.
وتبنت الأمم المتحدة التعريف التالي والذي يشير إلى أن طفل الشارع يعني، أي ولد أو فتاة يعيش في الشارع، بحيث يصبح الشارع مسكنه ومصدر الحياة بالنسبة له ولا تتوافر له الحماية والإشراف وتحمل المسؤولية من قبل الكبار بشكل مناسب.
تعريف منظمة اليونيسيف لأطفال الشوارع
انطلق تعريف منظمة اليونيسيف بناءً على اعتماد الطفل على الشارع كمورد للدخل ولم يأت شرط الإقامة فيه، وبه تم اعتبار الأطفال العاملين في الشارع والمقيمين في كنف أسرهم هم من أطفال الشوارع.
وجاء في تعريف مفصل للمنظمة أن الأطفال في الشارع هم : الأطفال الذين يعملون طوال النهار فيه ثم يعودون إلى أسرهم ليلاً للمبيت، وأطفال الشوارع الذين تنقطع علاقتهم مع أسرهم أو ليس لهم أسر أساساً.
تعريف منظمة الصحة العالمية لأطفال الشوارع
الأطفال الذين يعيشون في الشارع لا يشغلهم سوى البقاء والمأوى.
الأطفال المنفصلون عن أسرهم بصرف النظر عن مكان إقامتهم، سواءً في الشارع أو الميادين أو الأماكن المهجورة أو دور الأصدقاء أو الفنادق أو دور الإيواء.
الأطفال الذين تربطهم علاقة بأسرهم ولكن تضطرهم بعض الظروف كضيق المكان، الفقر، العنف النفسي أو المادي الذي يمارس عليهم، إلى قضاء ليالٍ أو معظم الأيام في الشارع.
الأطفال في الملاجئ (في دور الرعاية والمؤسسات الاجتماعية) معرضون لخطر أن يصبحوا بلا مأوى.
وقد أفادت بعض الدراسات الصادرة سنة 2002 والتي شملت عينة تتكون من 711 طفلاً مشرداً في بوليفيا، تبين بأن التسول يأتي في مقدمة “الأعمال التي يزاولها هؤلاء الأطفال، يأتي بعدها مسح الأحذية، وبيع الأكياس البلاستيكية، وغسل السيارات، ثم السرقة.
تقسيم أطفال الشارع إلى أربع فئات
- الأطفال الذين يعيشون في الشارع ويبقى مصدر البقاء والمأوى بالنسبة لهم .
- الأطفال الهاربون من أسرهم ويعيشون في جماعات مؤقتة أو منازل أو مبانٍ مهجورة أو ينتقلون من مكان إلى آخر.
- الأطفال الذين لا يزالون على علاقة مع أسرهم، ولكن يقضون أغلب اليوم وبعض الليالي في الشارع بسبب الفقر أو تزاحم مكان المعيشة مع الأسرة، أو تعرضهم للاستغلال البدني داخل الأسرة.
- الأطفال في مؤسسات الرعاية القادمون إليها من حالة التشرد وهم مهددون في نفس الوقت بالعودة إلى حالة التشرد مرة أخرى .
الحالة النفسية لأطفال الشوارع
أشارت مجموعة من الدراسات النفسية أوردها معهد أونيكامب البرازيلي إلى أن الحالة النفسية للطفل المشرد، أي طفل الشارع، تكون حالة صعبة جداً لأنها تتسم باضطرابات نفسية واجتماعية صنفت بالخطيرة، لما تخلفه من آثار سلبية على سلوك هذه الفئة من الأطفال.
كما أن أطفال الشوارع يعانون من سوء التوافق والقلق وعدم احترام وتقدير الذات. بالإضافة أنهم يعيشون حالة من التوتر الدائم الناتج عن حالة الخوف التي تصاحبهم طوال حياتهم. وفي دراسات أخرى أعطت:
- مظاهر العدوانية والعنف في بعض الأحيان، نظراً لترسيخ مبدأ البقاء للأقوى في أذهان المشردين.
- تفشي سلوك الاستجداء والاستعطاف والإلحاح بشدة لتلبية طلبهم.
- علامات واضحة للحقد على كل الناس ممن ينعمون بحياة سوية.
- النزعة إلى الإجرام والانحراف كوسيلة للحصول على المال أو لتخويف العامة كنوع من إظهار القوة.
- الانفعال الشديد والغيرة والعناد والسلوكيات غير المعتادة كالمشاكسة ومحاولة التحرش بالآخرين.
- بروز القدرة الفائقة على الكذب لكسب ود الآخرين وتعاطفهم.
- الجنوح إلى الانحرافات بمختلف أشكالها.
الأذى الذي يتعرض له أطفال الشوارع
قالت الدراسة البرازيلية إن أطفال الشوارع يتعرضون للكثير من الأذى أكثر من غيرهم من الأطفال أو بسبب الشجارات الحادة التي تؤدي أحياناً إلى اللجوء للقتل من أجل الحصول على الغذاء. كما أن الناس العاديين لايعطونهم أية قيمة، وقد يؤدي ذلك إلى إلحاق الأذى بهم. وإضافة إلى ذلك هناك خطر تعرضهم لحوادث السير.
حلول متواضعة ولكنها أعطت نتائج للحدّ من ظاهرة أطفال الشوارع:
مما هو معروف بأن فكرة تبني الأطفال كانت شبه معدومة في أمريكا اللاتينية لأسباب كثيرة، منها الحالة الاقتصادية الهشة وعدم توافر دور لإيواء هؤلاء الأطفال. وخلال السنوات الخمس الأخيرة أقنعت البرازيل وفنزويلا الدول الأخرى في أمريكا اللاتينية المنتسبة إلى سوق (ميركاسول)، وهو شبيه بالاتحاد الأوروبي يجمع في عضويته دول القارة الأمريكية اللاتينية للتعاون الاقتصادي والاجتماعي بضرورة إلغاء جميع القوانين التي تمنع التبني أو تضع قيوداً عليه، وبناء أكبر عدد ممكن من الدور والأماكن التي تأوي أطفال الشوارع وإطلاق الحملات الإعلانية لتشجيع العائلات التي ليس عندها أطفال بزيارة هذه الدور، واختيار الطفل أو الأطفال الذين تريد تبنيهم.
كما رفع الحظر على قانون لم يكن يسمح سوى تبني طفل واحد. أما القوانين الجديدة فهي تسمح بتبني أكثر من طفل. وأوضحت الدراسة البرازيلية بأن هذه الإجراءات ساهمت في التقليل بنسبة معقولة من المشكلة.
بمناسبة 2023.. علّمي طفلك كيف يكون سعيداً؟
ملاحظة من «سيدتي نت»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص