بالرغم من أن الفكاهة هدفها الأساسي هو إثارة الضحك والمرح، لكنها لا تهدف دائماً إلى الإضحاك فقط، بل تسعى دائماً لأن تقوم بوظيفة النقد والدعوة إلى الإصلاح، ومن صفات الشاعر الفكاهي أن يكون صاحب طرفة، وخفيف الظل، وصاحب نكتة ولا تمل منه أبداً، وصاحب ذكاء متقد يجعله يبحث دائماً عن الحيلة ويتدبر الخطط وينسخ خيوطها، ويضفي عليها من روحه الشاعرة كما أنه عميق الفكر يختصر صعوبة واقعه في جملة رشيقة خفيفة قد تثير الضحك، ولكنها تدعو للتفكير والتأمل.
بالسياق التالي وفي ظل إطلاق السعودية على العام الحالي (2023) عام الشعر العربي، واحتفاءً بدوره الحضاري وقيمته المحورية في الثقافة العربية، سيدتي التقت الشاعر ربيع زكريا عضو جماعة الزجالين وكتّاب الأغاني، وعضو اتحاد كتاب مصر في حديث حول الفكاهة وخفة الظل بالشعر العربي.
يقول الشاعر ربيع زكريا لسيدتي:: لطالما كان الشاعر العربي مرحاً خفيف الظل يجعل من واقعه الصعب أداة للسخرية، ولم يكن أبداً صلداً جامداً كبيئته الصعبة، وقد تميز العديد من الشعراء العرب بخفة الظل وروح المرح قديماً وحديثاً، ولأن الشعر كان هو الأداة الأولى والطولى عند العرب قديماً؛ للتعبير عن واقعهم حيث كان بمثابة وزارة الإعلام لديهم، تجد لديهم العديد من الشعراء وعشرات القصائد المرحة المضحكة وفي مختلف المواقف، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أن الشاعر كان يرد الأعداء والخصوم والذين يهجون قبيلته بطريقة مرحة خفيفة.
أنت كالكلب في حفاظك للود
وكالتيس في قراع الخطوب
وأنت كالدلو لا عدمناك دلوا
من كبار الدلا كبير الذنوب
فكانت كل تشببهاته وصوره، مستمدة من البيئة التي حوله ولهذا لم يأخذ عليه الخليفة ولم يغضب منه، ولكن عندما جلس عند الخليفة وخالط أهل المدينة ووسط العلماء أنشد الخليفة وقال:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
فتغيرت ألفاظه إلى خفة اللفظ وجمال الصورة بعيداً عن الفكر الغليظ بسبب البيئة التي يعيش فيها الشاعر.
كذلك ففي أواخر القرن الخامس نجد شاعراً كبيراً من شعراء الفكاهة لقبه معاصروه بابن مكنسة، وقد رويت له أبيات غاية بالطرافة واللذة، وكان يُبدع فى استخدام صيغه وصياغاته اللغوية ليعبر عن حاله في خفة ومرح، فمما عُرف عنه أبيات شعرية يشكو فيها ضيق حاله وقلة رزقه، فبيته الضيق الوضيع لن تدخله الشمس أبداً، يقول:
لي بيت كأنه بيت شعـــــر
لابن حجاج من قصيد سخيف
أين للعنكبوت بيت ضــعيف
مثله وهو مثل عقلي الضعيف
بقعة صد مطلع الشمس عنها
فأنا مذ سكنتها في الكســـوف
كذلك من أفكه الشعراء البهاء زهير، وقد كان شاعراً فكهاً خفيف الظل سبق غيره في خفة الدم والدعابة، فيخاطب أحد أصدقائه مرحاً مازحاً ساخراً من بغلته البطيئة المسير قائلاً:
لك يا صديقي بغلة ليسـت تساوي خـــردلة
تمشي فتحسبها العيون على الطريق مشكلة
وتخال مــــدبرة إذا ما أقبلت مستعــــــــجلة
مقدار خطوتها الطويلة -حين تسرع- أنملة
تهتز وهي مكانها فكأنما هي زلـــــــزلة
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
ومن بعدها أصبح أصحاب هذه القبيلة يفتخرون باسم قبيلتهم، ولم يعد أحد يسخر منهم في مجلس ولا شعراً.
وبعيداً عن الشعراء قديماً وحكاياتهم بخفة الظل، فمن القصص الطريفة في عصرنا الحديث والمرحة التي حفظت عن الشاعر الكبير حافظ إبراهيم أنه كان في مجلس ومعه أمير الشعراء أحمد شوقي والشاعر إبراهيم ناجي وتحدوا بعضاً في ذكر كلمة قلقاس أن يأتوا بها في بيت شعر... فما كان أسرع من الشاعر حافظ إبراهيم، والذي كان يُعرف عنه سرعة البديهة وخفة الظل والمرح إلا أن قال
لو سألوك عن قلبي وما قاسى
فقل قاسى وقل قاسى وقل قاسى
بالسياق التالي وفي ظل إطلاق السعودية على العام الحالي (2023) عام الشعر العربي، واحتفاءً بدوره الحضاري وقيمته المحورية في الثقافة العربية، سيدتي التقت الشاعر ربيع زكريا عضو جماعة الزجالين وكتّاب الأغاني، وعضو اتحاد كتاب مصر في حديث حول الفكاهة وخفة الظل بالشعر العربي.
الواقع الصعب أداة للسخرية
يقول الشاعر ربيع زكريا لسيدتي:: لطالما كان الشاعر العربي مرحاً خفيف الظل يجعل من واقعه الصعب أداة للسخرية، ولم يكن أبداً صلداً جامداً كبيئته الصعبة، وقد تميز العديد من الشعراء العرب بخفة الظل وروح المرح قديماً وحديثاً، ولأن الشعر كان هو الأداة الأولى والطولى عند العرب قديماً؛ للتعبير عن واقعهم حيث كان بمثابة وزارة الإعلام لديهم، تجد لديهم العديد من الشعراء وعشرات القصائد المرحة المضحكة وفي مختلف المواقف، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أن الشاعر كان يرد الأعداء والخصوم والذين يهجون قبيلته بطريقة مرحة خفيفة.
- هل كان الشاعر العربي شاعراً فكهاً مرحاً ذا خفة بشكل واضح ظاهري في أبياته وقصائده، أم يخفي ظرفه ومرحه في جنبات عمق الفكر وغلظة الكلم؟
يقول الشاعر ربيع زكريا: للرد على هذا السؤال لابد من النظر إلى شيء أساسي ألا وهو بيئة الشاعر التي تربى بها، فعلى سبيل المثال كان الشاعر علي ابن الجهم (٨٠٤-٨٦٤)م، وقد ولد ببغداد ونشأ بالبادية وعندما ذهب للخليفة المتوكل أنشده هذه الأبيات..أنت كالكلب في حفاظك للود
وكالتيس في قراع الخطوب
وأنت كالدلو لا عدمناك دلوا
من كبار الدلا كبير الذنوب
فكانت كل تشببهاته وصوره، مستمدة من البيئة التي حوله ولهذا لم يأخذ عليه الخليفة ولم يغضب منه، ولكن عندما جلس عند الخليفة وخالط أهل المدينة ووسط العلماء أنشد الخليفة وقال:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
فتغيرت ألفاظه إلى خفة اللفظ وجمال الصورة بعيداً عن الفكر الغليظ بسبب البيئة التي يعيش فيها الشاعر.
كذلك ففي أواخر القرن الخامس نجد شاعراً كبيراً من شعراء الفكاهة لقبه معاصروه بابن مكنسة، وقد رويت له أبيات غاية بالطرافة واللذة، وكان يُبدع فى استخدام صيغه وصياغاته اللغوية ليعبر عن حاله في خفة ومرح، فمما عُرف عنه أبيات شعرية يشكو فيها ضيق حاله وقلة رزقه، فبيته الضيق الوضيع لن تدخله الشمس أبداً، يقول:
لي بيت كأنه بيت شعـــــر
لابن حجاج من قصيد سخيف
أين للعنكبوت بيت ضــعيف
مثله وهو مثل عقلي الضعيف
بقعة صد مطلع الشمس عنها
فأنا مذ سكنتها في الكســـوف
كذلك من أفكه الشعراء البهاء زهير، وقد كان شاعراً فكهاً خفيف الظل سبق غيره في خفة الدم والدعابة، فيخاطب أحد أصدقائه مرحاً مازحاً ساخراً من بغلته البطيئة المسير قائلاً:
لك يا صديقي بغلة ليسـت تساوي خـــردلة
تمشي فتحسبها العيون على الطريق مشكلة
وتخال مــــدبرة إذا ما أقبلت مستعــــــــجلة
مقدار خطوتها الطويلة -حين تسرع- أنملة
تهتز وهي مكانها فكأنما هي زلـــــــزلة
- مما سبق هل تجد الشعر العربي في بعض موضع تعامل مع خفة الظل على أنها سخرية واستهزاء من الشخص والموقف، أم أن الأمر مجرد ظرف ومرح ومحاولة للتعبير عن مشاكل الحياة بطريقة تثير الضحك والفكاهة؟
يقول: لقد تعددت أنواع ومواضيع الشعر العربي، فقد كانت تحوي بداخلها كل أنواع وألوان الشعر، ومن أمثلة شعراء المرح والفكاهة كانت عند العرب قبيلة تسمى بقبيلة أنف الناقة، وسبب التسمية أن أباً ذبح ناقة وقام بتوزيع هذه الناقة على أبنائه، ولكن ابناً منهم قد تغيب ولما حضر لم يجد من الناقة غير رأسها فقام بسحب هذه الناقة من أنفها، ومن بعد هذا الموقف سمي أبناؤه من بعده بهذا الاسم، فكانوا يعيّرون بين القبائل ويسخرون منهم لهذا الاسم، ولكن هنا يأتي هنا دور الشاعر فلما سمع بقصتهم الشاعر الحطيئة (أبو مليكة) فقال فيهم:قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
ومن بعدها أصبح أصحاب هذه القبيلة يفتخرون باسم قبيلتهم، ولم يعد أحد يسخر منهم في مجلس ولا شعراً.
وبعيداً عن الشعراء قديماً وحكاياتهم بخفة الظل، فمن القصص الطريفة في عصرنا الحديث والمرحة التي حفظت عن الشاعر الكبير حافظ إبراهيم أنه كان في مجلس ومعه أمير الشعراء أحمد شوقي والشاعر إبراهيم ناجي وتحدوا بعضاً في ذكر كلمة قلقاس أن يأتوا بها في بيت شعر... فما كان أسرع من الشاعر حافظ إبراهيم، والذي كان يُعرف عنه سرعة البديهة وخفة الظل والمرح إلا أن قال
لو سألوك عن قلبي وما قاسى
فقل قاسى وقل قاسى وقل قاسى