ظهرت الرومانسية كثورة على عقلانية الكلاسيكية الجديدة والتي كانت بطور الهيمنة وبسط النفوذ أواخر القرن الثامن عشر، فمازال الشعراء الرومانسيون يشعرون بحاجتهم الملحة للجنوح للروحانية والخيال في عالم صلد جامد تتنازعه أنواء المادية والفردية كردة فعل على آثار التحول الاجتماعي الناجم عن الثورة الصناعية، واليوم في ظل ما يكتنف عصرنا من تحولات تكنولوجية وآليات افتراضية وصرعات رقمية ومع أفول نجم الرومانسية يبرز سؤال هل ستعود الرومانسية للظهور كردة فعل لهذا العصر وما يعتريه من تحولات؟، سيدتي تجيب على هذا السؤال في ظل إطلاق السعودية على العام الحالي (2023) عام الشعر العربي، واحتفاءً بدوره الحضاري وقيمته المحورية في الثقافة العربية، من خلال اللقاء بالشاعر والناقد الأدبي صالح شرف الدين عضو شعبة النقد سابقا وعضو شعبة الخيال العلمي حاليا باتحاد كتاب مصر في حديث حول الشعر الرومانسي هل مازال بذات الوهج في ظل عصر ما فوق المادية الذي نعيشه؟!
- الرومانسية حركة فنية وأدبية وفكرية تهتم بالنفس الإنسانية
يقول شرف الدين لسيدتي: العصر الرومانسي هو حركة فنية وأدبية وموسيقية وفكرية تهتم بالنفس الإنسانية وما تزخر به من عواطف ومشاعر، وقد عرف الشعر الرومانسي على أيدي شعراء الرومانسية الكبار حياةً جديدةً وقويةً، بقيت ذات تأثير وجاذبيّة حتى القرن العشرين، ويمتاز الشعر الرومانسي بالصدق في التعبير عن العواطف الفردية والمشاعر العميقة من داخل أعماق النفس.
ويوضح شرف الدين أن الرومانسية ظهرت بالشعر العربي منذ عصر الجاهلية، وتوهجت بالعصر الرومانسي، فقد كان العرب قديمًا يستهلّون قصائدهم بالحديث عن الأطلال والحبيبة، ويتغزلون بها قبل الانتقال إلى الموضوع الأساسي للقصيدة،، ومع بزوغ نجم العصر الرومانسي نظم شعراء الحداثة قصائد من الشعر الرومانسي كاملة اكتنفتها العاطفة الجياشة الثرية، والخيالات التي تذهل العقول، وتداعب الأحاسيس وتلهب المشاعر لشدة جمالها وعذوبتها.
- الرومانسية توارت ولكنها لم تختف
يقول شرف الدين: الرومانسية لم تختف ولن تختفي، فالرومانسية كانت تيارا شعريا زخمًا ضم الكثير من الشعراء مثل إبراهيم ناجي والشابي، وشعراء المهجر،وقد ظهر التيار الواقعي فتوارت الرومانسية ولكنها لم تختفِ وبقيت صامدة في كثير من إنتاجات الشعراء الواقعيين، وإمتزجت بحب الوطن، وحب الذات، والذهنية
- مواصفات الشعر الرومانسي
الشعر الرومانسي كما ذكرنا هو الشعر الذي يدور في فلك الوجدانيات والمشاعر والأحاسيس الإنسانية الراقية، ويميل إلى الحزن والتشاؤم، والشاعر الرومانسي هو الذي يمتزج بالطبيعة حوله، فيكسوها مشاعره، ويجعلها تشاركه في أحاسيسه، ويراها من خلال شعوره، ومن مميزات الشعر الرومانسي:
1-الصدق في التعبير عن العواطف الفردية والمشاعر العميقة.
2-الارتماء بأحضان الطبيعة والركون إلى فضاءاتها واستشعار حنانها والتسبيح بجمالها وروعتها ومناجاتها والتماس المواساة من كياناتها الساحرة.
3-التمادي في الخيال الإبداعي والتصورات الحالمة هروبًا من الواقع بماديته وعقلانيته وصلادته..
4-الجنوح للرمزية والغموض والاستعارات والجماليات اللغوية المتعلقة بالروحانية والخيال.
- كيف يختلف تناول الشاعر الرومانسي بأدواته عن باقي الشعراء
الاختلاف ليس في الشاعر لكنه في النص الشعري، فشاعر كلاسيكي مثل أحمد شوقي كتب نصوصًا غنائية تغلب عليها الرومانسية، وشاعر رومانسي مثل نزار قباني تسري الواقعية في كثير من نصوصه الشعرية،إذا غلب العقل الوجدان فنحن أمام نص كلاسيكي، وإذا سيطرت المشاعر، فنحن أمام نص رومانسي، وإذا تحكمت مشكلات الواقع الحياتي فنحن أمام نص واقعي، وكل الشعراء لديهم عقل ومشاعر، ويؤثر فيهم الواقع
- أنواع للشعر الرومانسي
كل الشعر الرومانسي تغلب عليه المشاعر ودفقات الأحاسيس المتوهجة والتي
- قد تتعلق بالمحبوب والذات الشاعرة كما عند ناجي.
- بالطبيعة ومقاومة المستعمر كما عند الشابي
- أو بالغربة والحنين للوطن كما عتد شعراء المهجر.
- كيف اختلف الشعر الرومانسي بتناوله قديما عن عصرنا الحالي، وهل أصبح أكثر جرأة؟
التيار الرومانسي تيار حديث ويخلط الكثيرون بين الغزل والرومانسية والفرق كبير بينهما الغزل ذكر المرأة في الشعر منه الصناعي الذي بدأت به القصائد قديما،ومنه الصريح الذي يذكر محاسن المرأة الحسية،ومنه العفيف الذي يدور حول المعاناة في الحب أما الرومانسية فهي تيار حديث تتحكم فيه الذاتية والمشاعر ويغلب عليه الحزن والتشاؤم والامتزاج بالطبيعة والبعد عن الواقع.
- أشهر شعراء الرومانسية
من أشهر شعراء الرومانسية مطران خليل مطران الأب الروحي للرومانسية، ثم إبراهيم ناجي، وأبو القاسم الشابي،وشعراء المهجر ومنهم جبران خليل جبران،وإيليا أبو ماضي، ونسيب عريضة.
- هل يتسق الشعر الرومانسي مع مقتضيات عصرنا الحديث بآلياته وصراعاته ؟
بالنهاية يقول الشاعر والناقد الأدبي صالح شرف الدين : لم يعد تيار الرومانسية قوياً منذ منتصف القرن العشرين، وظهور تيار الواقعية، لكن ما يُبقي على بعض الرومانسية في الشعر كون الإحساس والشعور والخيال ركن أساسي من أركان الشعر، فلا يمكن أن يوجد شعر حقيقي دون شاعرية، وكثير من القضايا المعاصرة يعالجها الشعراء برومانسية قوية كما عند سلمى الخضراء وفدوى طوقان، ونازك الملائكة و بدر شاكر السياب وغازي القصيبي ونزار قباني وغيرهم
وإذا أردت المزيد من شعر الرومانسية يمكنك التعرف على أجمل الأبيات الشعرية التي كتبت في الحب
