على غرار أفروديت المولودة في جزيرة قبرص، بحسب الأسطورة اليونانية، التي كانت تتباهى بقدرتها على إيقاع من تشاء في الحب، كذا تفعل قبرص بزائرها... بعد أيام ماطرة، وعدني سطوع شمس قبرص بقضاء إجازة مريحة، فتفاءلتُ بدفء المناخ بالجزيرة، كما بابتسامة الموظف في قسم الجوازات، بمطار لارنكا الدولي.
كانت الوجهة ليماسول (جنوب غربي نيقوسيا)، التي يتطلب بلوغها من مطار لارنكا، 45 دقيقة، بالسيارة؛ تقع ليماسول أو ليميسوس بحسب المحليين، على خليج أكروتيري، على الساحل الجنوبي للجزيرة، وهي ثاني أكبر مدينة في قبرص، وفيها ميناء رئيس ومركز سياحي ذائع الصيت. هناك، لا تحجب مظاهر الحداثة والبنية السياحية التحتية المتطورة، قصص التاريخ، ففي كل مدينة متوسطية الكثير ليروى عن الماضي. لذا رأت الدليلة السياحية أن قلعة كولوسي تُمثّل بداية جيدة للتعرف أكثر إلى ليماسول الكوسموبوليتية.
منذ آلاف السنين...
الجولة في القلعة، والإطلالة من نوافذها الصغيرة على المحيط، كما صعود السلالم الحلزونية إلى الطبقة الأخيرة المكشوفة، مغر بالتقاط عشرات الصور وبالتأمل، خصوصاً أن المنظر عينه من المكان العالي، كان سكان كولوسي يستمتعون به منذ آلاف السنين. كانت "كولوسي" حصناً في القرن الثالث عشر ارتفع على يد فرسان الإسبتارية عام 1210، وظل في حوزتهم حتى دمرت غارات المماليك القلعة في 1525-1526. «كولوسي»، ثلاثية الطبقات، والتي يراها السائح، اليوم، مُشيّدة على أنقاض القلعة القديمة، وذلك عام 1454 بأمر من لويس دي ماجناك. يمكن رؤية شعار النبالة الخاص به على جدار الهيكل. قامت القلعة بدور مهم خلال العصور الوسطى، مع وجود مرافق لإنتاج السكر من قصب السكر المحلي المزروع في القرى المجاورة، والسكر كان أحد الصادرات الرئيسة لقبرص في ذلك الوقت.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال الرابط
فسيفساء
المحطة الثانية، كانت «كوريون»، الموقع الأثري الذي يعج بآثار رومانية. تبدو النقطة الأكثر تميزاً التي يمكن رؤيتها اليوم في كوريون هي المسرح المحفوظ جيداً والقادر على استيعاب نحو 3500 متفرج، ويعود تاريخه إلى القرن الثاني أو الثالث الميلادي.
صعود الأدراج الحجرية العائدة إلى المسرح، والإطلالة على البحر القريب بديعة؛ إذ يختلط اللونان الأخضر والأزرق معاً. في الموقع أيضاً، بقايا السوق الرومانية التي يرجع تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي مع حمامات عامة وأطلال بيوت لأثرياء؛ حيث الفسيفساء البديعة على الأرضيات جديرة بالتصوير. ليس ما تقدم كل ما تمكن رؤيته في الموقع، هناك أيضاً مجمع أوستوليوس وكنيسة من القرن الخامس الميلادي وبقايا ملعب ومعبد أبولو هيلاتس.
بفخر، قالت الدليلة، إنه على الرغم من كل جحافل جيوش الغزاة التي مرت بقبرص والاستعمار بصنوفه، لا يزال القبارصة متمسكون بلهجتهم اليونانية القديمة المطعمة ببعض الكلمات من لغات مختلفة، كما بالمسيحية الأرثوذكسية ديانة، علماً أن قبرص لم تنل استقلالها سوى من المملكة المتحدة أخيراً (عام 1960).
المدينة القديمة
لا تستقيم زيارة ليماسول من دون المرور بالمدينة القديمة؛ حيث متاهة الشوارع الضيقة المُتفرّعة من الميناء القديم ومجموعة من المحلات التجارية وتلك التي تبيع التذكارات والمطاعم. الجدير بالذكر أنه في الميناء القديم، وعلى الرغم من التجديد، لا تزال قوارب الصيد الصغيرة منتشرة ووفية للجذور المتواضعة لصيادي الأسماك.
مع الزيارة، في بداية المساء للمدينة القديمة، لم يفارقني الشعور بالألفة، وكأنني أتنزه في مدينتي بيروت. في ليماسول القديمة، معالم مثل: قلعة ليماسول، المكان الذي تزوج فيه ريتشارد قلب الأسد من زوجته بيرنغاريا وتوجها ملكة إنجلترا. في دواخل القلعة، مجموعة من الدروع والمجوهرات والأشياء الدينية والعملات المعدنية والمنحوتات الخشبية والأسلحة. كان العنوان شيد خلال الحروب الصليبية واستخدم من العثمانيين في ما بعد بوصفه حصناً دفاعياً وسجناً.
هناك أيضاً، الحديقة التي تستضيف منحوتات جميلة لفنانين مشهورين.
في مارينا ليماسول، المطورة حديثاً؛ حيث العمارات ملونة بألوان الباستيل، والزرقة الداكنة للمياه، التي تركن فيها اليخوت، يكثر الرواد، سواء المتنزهين أو الموزعين في المطاعم والمقاهي الكثيرة في المكان. هناك، تحلو النزهة أو "البرومناد"، بحسب المحليين، في ظلال النخيل وجمال رذاذ البحر المالح.
إقامة مرفهة في «مدينة الأحلام المتوسطية»
مكان الإقامة خلال الرحلة السياحية مؤثر بشكل كبير على تجربة السفر ومُثير لذكريات تدوم طويلاً. منتجع «مدينة الأحلام المتوسطية» المُفتتح في العام الماضي (2023) بليماسول، يسمح بعيش تجربة مرفهة. هناك، مهما تقدمت ساعات الليل، لا يشعر النزيل بالوقت، لكثرة خيارات الترفيه، مع فريق عمل محترف من جنسيات مختلفة وساهر على راحة المقيمين.
يضمّ الفندق المُمتدّ على 14 طبقة، 500 غرفة وجناح، بما في ذلك أكبر جناح رئاسي في جزيرة قبرص، وأكثر من 8000 متر مربع من مساحة الاجتماعات والمؤتمرات والمعارض ومُدرّج خارجي وحديقة مغامرات (أدفنتشر بارك أكبر مجمع مسابح في الجزيرة).
يشتمل الـمنتجع المتكامل أيضاً على ممشى تسوق ممتع مع أماكن للعروض والترفيه تستقبل الفنانين والـ"دي جي" من أنحاء العالم. تزامنت زيارتي مع حفل أحياه نجم «البوب» المصري أحمد سعد، بعد أن قدمته الإعلامية اللبنانية غرايس الريس. كان لافتاً كيفية تفاعل الحضور من الأجانب مع الأنغام العربية الصاخبة، والرقص الغربي على أغان عربية... فيما أشعل سعد المسرح، مع «هيصة» المشاهدين العرب، وجلهم من اللبنانيين والمصريين.
في الجناح «جونيور»، يلفت طراز البحر الأبيض المتوسط، المُطعّم بألوان ناعمة باعثة على الاسترخاء، والمُستوحاة من تأثيرات طبيعة البحر الأبيض المتوسط، البحر الذي يمتلك أسراراً كثيرة في أعماقه. من «الترّاس» المُرفق بالغرفة، يحلو الاطلاع على طلوع الصباح، أو الاستراحة بعد الظهر والإطلالة على «ليديز مايل بيتش» الشاطئ البكر وبحيرة أكروتيري المالحة، وهي أرض رطبة كبيرة في أوروبا، تجذب الطيور المهاجرة، بما في ذلك أسراب طيور النحام الوردي النابضة بالحياة ومالك الحزين خلال الشتاء.
واحدة من التجارب الأهم في المنتجع، «الـسبا»، لا سيما التدليك الذي لا يفوت، فقد تمنيت ألا تنتهي الدقائق الستون، لبراعة المتخصصة والموسيقى التي تسمح بالانفصال عن الواقع. وهناك أيضاً، مركز "رينو" الصحي الذي يهتم باللياقة البدنية ويركز على علاجات تجديد الشباب.
لمتذوقي الطعام، وهواة تجربة المأكولات من مطابخ عالمية، خيارات غنية، ضمن ثمانية مطاعم ومقاه بإشراف الشيف أوليفييه بيليارد. في هذا الإطار، المأكولات الآسيوية في «أمبر دراجون» جديرة بالتذوق، مع تميّز أطباق البط الصيني والسوشي وحتى بعض صنوف اللحم، كما هي المأكولات الشرق الأوسطية والفطور في «أورا»، لا سيما إن المذاقات تذكر بالأكل في المناطق العربية، والجلسة مريحة للغاية، بالإضافة إلى أطباق الستيك والدجاج والسمك الأوروبية والنكهات المتوسطية الأصيلة في أوليا.
يَعِدُ المنتجع الأفخم في ليماسول، العائلات التي تقيم فيه مع الأطفال، بنشاطات عدة، في «نادي الأطفال» الموجه للفئة العمرية بين 4 و12 عاماً، وهناك المغامرات، ومنها رياضة حبل الانزلاق وركوب الأمواج والترامبولين، بالإضافة إلى تعلم رياضة كرة المضرب (تنس)؛ إذ يقرب افتتاح «أكاديمية ماركوس بغداتيس للتنس» في «مدينة الأحلام بالبحر الأبيض المتوسط»، مع 12 ملعباً للتنس، بما في ذلك ملعب البطولات. ستقدم الأكاديمية تدريب التنس للاعبين من المستويات المختلفة، من المبتدئين إلى النخبة، من سن 6 أعوام فما فوق.
بين الشواطئ والحياة الليلية المزدهرة والطعام اللذيذ المتوافر من كل مطاعم العالم والتاريخ الكامنة قصصه في كل زاوية، لا يمكن مغادرة ليماسول من دون وعد يقطعه الزائر لنفسه بزيارة قبرص مجدداً، فزيارة واحدة غير كافية للجزيرة المتوسطية.