ولادة الطراز الباروكي الحديث في النصف الثاني من القرن العشرين، لم تكن نتيجة رغبة فرد أو جماعة، بل كانت محصلة طبيعية لمسار كانت تتناسل فيه المبتكرات والتجديدات التي تستهدف «داخل» المنزل، من أجل توفير جمالية معاصرة ورفاهية مستدامة، تؤسس لمشهد يستلهم العناصر الزخرفية والمفردات الجمالية للطراز الباروكي التقليدي ومزاوجتها مع التحديثات، وبتعبير آخر: الأخذ بأسباب المتغيرات الجديدة الطارئة وتحصينها، من خلال إقامة صلة اندماجية بينها وبين قيم أثبتت أصالتها عبر سيادتها للمشهد الزخرفي منذ القرن السابع عشر.
إعداد : نجاة شحاده
من أجل ذلك، لم يشكل الباروكي الحديث انفصالاً كاملاً عن الباروكي التقليدي، لأن وجوده في الأساس كان من أجل الحفاظ على القيم الجمالية والوظيفية التي تجلت لدى التقليدي خلال القرون الماضية. فكان الطراز الحديث محاولة بالغة الذكاء من أجل المحافظة على التقديمات الأكثر غنى، والتي تجلت في أعمال باروكية تقليدية خالدة.
قد يهمك، الاطلاع على الوابي سابي أسلوب ياباني في الديكور الداخلي سيرجع إلى الواجهة
جزء من الثقافات السائدة
هكذا كانت ولادة «الباروكية» الحديثة، مؤشراً على مرحلة جديدة في معالجات «الأمكنة» وطرق إشغالها وأساليب تنسيقها - أثاث وإكسسوارات وعناصر ومواد متنوعة – وكذلك توزيعات الأحجام والأشكال والألوان التي تشكل محور مشهديتها، وترفدها بقيم جمالية تنفي عنها الثبات والجمود وتنتصر للتغيير والإبداع فيها.
واعتماداً على هذه المعطيات «الصلبة»، انتشر في جميع أنحاء العالم، وأصبح جزءاً من الثقافات السائدة، تدعمه سمات ثرية، وغرابة فاخرة دون ادعاء، وأناقة متماسكة، ومنحى زخرفي يتميز بطواعيته للاندماج والتناغم مع مجمل التركيبات والتصاميم الحديثة.
ʼ يحتضن الطراز الباروكي الحديث الأشكال التي تتميز بمنحنياتها وزخارفها، والتي في الغالب تكون غير متناظرة، فتولد أجواء دراميةʻ
مساهمات المبدعين في تكريس الطراز الباروكي
في فرنسا هناك أثر كبير لمساهمات فيليب ستارك Philippe Starck في تكريسه حيث شملت تصاميمه ومبتكراته كل مستلزمات البيوت والجماعات والأفراد، وتحولت في لحظة ما إلى «ضرورات» ملحة، ليس فقط من أجل الحاجة الحيوية، ولكن أيضاً من أجل إضفاء روح الدعابة وكسر طوق الصرامة والجدية التي تحيط بأساليب الحياة الحديثة. كذلك يبرز اسم جان-لوي دنيو Jean-Louis Deniot كواحد من المصممين الأفذاذ الذين استطاعوا أن يقدموا تنويعات مدهشة من هذا الطراز، أثرت الداخل المعاصر وجعلته مكاناً أكثر رفاهية وراحة وفخامة.
وفي أمريكا يبرز اسم كيلي ويرسلر Kelly Wearstler كواحدة من رائدات هذا الطراز. تتميز بجرأة ملفتة في استخدام الأشكال والأقمشة والألوان الغرائبية، من أجل توليد جمالية خاصة ومتفردة.
وفي هولندا يقترن اسم مارسيل واندرز Marcel Wanders بأعمال، تثير الدهشة والأعجاب من حيث صياغاتها الشكلية التي تؤسس لخط جمالي يندر أن نجد شبيهاً له.
وفي بريطانيا تعتبر أعمال كيلي هوبن Kelly Hoppen من الإنجازات النادرة في مجال الديكور الداخلي، فتسهم بفعالية في إثراء التصورات الحديثة لهذا الطراز، وتقدم أمثلة بديعة وحلولاً ذكية لمعضلات الدمج بين التقليدي والحداثي.
وفي موسكو، تعتبر تانيا مينينا Tanya Minina واحدة من مهندسات الديكور الشابات التي تحمل شعلة الباروك الحديث عبر أعمال ملفتة وذكية.
ما رأيك بالتعرف على مميزات طراز مدينة البندقية الإيطالية في العمارة والتصميم
مواد نبيلة وعملية
تتسع مروحة المواد التي تستخدم في صياغة الأثاث النيو باروك لتشمل كافة المواد النبيلة أو العملية. بدءاً من البلاستيكيات، مروراً بالأخشاب الثمينة، مثل خشب الجوز والسنديان والماهوجني، وانعطافاً ملفتاً نحو الأقمشة الفاخرة والجلود والفراء، ووقوفاً بديعاً عند السجاد والبسط المزخرفة، وصولاً إلى الزجاج والكريستال والمعادن الثمينة، وفي مقدمها الذهب.
إن اتساع هذه المروحة من المواد توازيه مروحة أكثر اتساعاً من الألوان، ومروحة أكثر تعقيداً من الأشكال التي تتميز بمنحنياتها وتجعيداتها وزخارفها، والتي في الغالب تكون غير متناظرة، ومن الأحجام الأكثر تكلفاً والتي تجعل منها كلها عناصر مثالية لخلق أجواء درامية ومسرحية في الداخل.
الألوان الجريئة واللامعة من عناصر الطراز الباروكي
ساد طراز الباروك في أوروبا في نصف القرن الـ17، وهو ناتج عن حركة نشأت في إيطاليا، سرعان ما انتشرت في أوروبا. وأبرز عناصره الألوان الغنية والجريئة واللامعة، تليها المنحوتات والحليّ المصاغة بفنّ حرفيّ عالٍ. وفي كثير من الأحيان، تصوّر هذه المنحوتات موضوعات متعلّقة بالنباتات، مثل الكروم والزهور. وللمرايا الضخمة والثريات الكريستالية مساحة كبيرة في هذا العالم الساحر. إنّ لمسة من هذه الإضافات تنقل ساكن المنزل إلى أجواء قصر فخم.
لمتابعة الموضوع على النسخة الديجيتال على هذا الرابط الطراز الباروكي الحديث
إذا كنت مهتمة بالديكورات المعاصرة يمكنك الاطلاع على الديكور المغربي المعاصر