تقاليدُ الضيافةِ راسخةٌ في الدولِ العربيَّة منذ العصورِ القديمة، فمن حاتم الطائي شاعرِ العرب وسليلِ حائل الذي يُضرَبُ به المثلُ في الكرمِ والجود، إلى أيامنا المعاصرة التي تغلبُ عليها المدنيَّة والحداثة، لا يزالُ إكرامُ الضيفِ صفةً يتربَّى عليها الصغار.
في عيدِ الأضحى، ومع تبادلِ الأقاربِ والأصدقاءِ والمعارفِ الزيارات للتهنئةِ في المناسبة، تتقدَّمُ المجالسَ أواني الضيافة. وهذه الأخيرةُ من أوعيةٍ، وأطباقٍ، وصوانٍ، وأكوابٍ، وفناجينَ، سواءً كانت محليَّة الصنع، أو موقَّعةً بأسماءِ مصمِّمين، أو شركاتٍ عالميَّةٍ، تعرفُ تغييراتٍ لنواحي تصاميمها، وموادِّها، وألوانها. أينما كانت الجغرافيا العربيَّة، وبغضِّ النظر إن حملت أواني الضيافةِ المعمولَ، أو الكليجا، أو الكعك «الكحك في مصر»، أو الكلاج، أو الشوكولاتة، أو البيتيفور، كما العصائرُ الحلوة، والمشروباتُ الدافئة، فإنها تثيرُ الاهتمامَ بنقوشها، ورسوماتها، وتحثُّ على تأمُّلها. موادُّها من زجاجٍ، أو خزفٍ، أو كريستالٍ، أو غيرها، وأسطحها العاكسةُ أعمالُ فنانين، بل وحتى ألوانها.
هذه الأواني، التي تدلُّ على الرقي والفخامةِ، أو المرحِ، أو التقليديَّة، أو الشاعريَّة، تُقول الكثير عن صاحبةِ المنزل، وتفضيلاتها، وشخصيتها.
البورسلين المرسوم يدوياً
من بين خياراتِ «سيدتي» لأواني الضيافة، تبرزُ مجموعةٌ للفنانةِ اللبنانيَّة دلال باخوس التي تقدِّمها ماريا ضو، القيِّمةُ الفنيَّة ومؤسِّسةُ RYA Beirut. تقولُ عن المجموعة: إنها «تعكسُ عالماً من الأنماطِ الهندسيَّة، والألوانِ الجريئة». وتضيفُ: «دلال باخوس ترسمُ الطيورَ، والأزهارَ الملوَّنة برقَّةٍ، وكأنَّها تنظِّمُ الشعر. على مدارِ 32 عاماً، تابعت الفنَّانةُ شغفها بالرسمِ على البورسلين، وأنشأت مجموعاتٍ غنيَّةً، ومنوَّعةً، وأنيقةً من أدواتِ المائدةِ والضيافة، بعضها زُيِّن بطلاءٍ ذهبي من عيار 18 قيراطاً». وتستطردُ ضو: «لا قطعةَ تشبه الأخرى في مجموعةِ باخوس التي اختارت الرسمَ اليدوي على البورسلين، لأن المادةَ المذكورةَ ذات قيمةٍ عاليةٍ، إذ تتمتَّعُ بالقوةِ والمتانة، مع سطحٍ ناعمٍ وغير مسامي، إلى جانبِ توفير كانفاس ممتازةٍ للرسومِ اليدويَّة. كذلك تسمحُ المادةُ لألوانِ الفنَّانةِ النابضةِ بالحياة، والتصاميمِ الهندسيَّة المُعقَّدة بالبقاءِ حيَّةً مع مرورِ الوقت». وتلفتُ إلى أن «أناقة مادةِ البورسلين وشفافيتها، جعلتها مفضَّلةً لـأدوات المائدة والضيافةِ الفاخرة».
من جهةٍ ثانيةٍ، توضحُ القيِّمة، أن «الطلب على الإكسسواراتِ المصنوعةِ يدوياً، ومنها أواني الضيافة، آخذٌ في الارتفاعِ بالفعل»، وتذكرُ في هذا الإطار، أن «الأمر يرجعُ إلى عواملَ عدة، أوَّلها أن كلَّ قطعةٍ مصنوعةٌ يدوياً، وفريدةٌ من نوعها، فعلى النقيضِ من المنتجاتِ ذات الإنتاجِ الضخم، يوفِّرُ العملُ اليدوي للأواني لمسةً فنيَّةً شخصيَّةً، وفريدةً من نوعها على الطاولاتِ في العصرِ الحديث». وتقولُ: «أواني الضيافة، لا سيما المصنوعةُ من الخزفِ، والسيراميكِ، والمطليَّة يدوياً، تتَّفقُ لناحيةِ الأنماطِ والألوان بشكلٍ جميلٍ مع اتجاهاتِ الموضة السائدةِ حالياً التي تحوِّلُ عناصرَ وظيفيَّةً إلى فنٍّ زخرفي. هذا، ناهيك عن أن العناصرَ المصنوعةَ يدوياً، تُستَخدمُ فيها موادُّ مستدامةٌ بتقنياتٍ أخلاقيَّةٍ، ما يجعلُ اقتناءَ الإكسسواراتِ المذكورةِ عمليَّةً ذات معنى ومستدامةً». وتضيفُ: «شراءُ أدواتِ الضيافةِ المصنوعةِ يدوياً، لا يقلِّلُ من التأثيرِ البيئي المرتبطِ بالإنتاجِ الضخمِ فحسب، بل ويمثِّلُ أيضاً حركةً متناميةً نحو الوعي الذهني، ودعمِ الاقتصادِ والفنَّانين المحليين. كذلك يضيفُ هذا الارتباطُ بالتقاليدِ والثقافةِ عمقاً ومعنى إلى القطع، ما يجعلها أكثر جاذبيَّةً للأشخاصِ الذين يبحثون عن الأصالةِ في عالمٍ سريع الخطى».
لقراءة الموضوع في النسخة الديجيتال، اضغطي هنا
الثقافة اللبنانيَّة
تسلِّطُ «سيدتي» أيضاً الضوءَ على The Signature Collection، وهي مجموعةُ الأواني الخاصَّةُ بالضيافةِ والإكسسوارات التي أطلقتها المصمِّمة اللبنانيَّة كارين داعوق. محتوياتُ المجموعةِ منفَّذةٌ من الزجاجِ المنفوخ، وتشملُ شموعاً بارتفاعاتٍ مختلفةٍ، ومزهريات، وأوعيةً لتقديمِ صنوفِ الضيافةِ المالحةِ والحلوة.
تقولُ كارين، صاحبةُ بوتيك The Table Series في وسطِ بيروت، لـ «سيدتي» واصفةً المجموعةَ وأفكارها: إنها «تأتي من خلفيَّةٍ معماريَّةٍ، وتتميَّزُ بتصميمٍ داخلي فريدٍ، وقد سبق أن عملتُ في المجالين». بالتالي، يمثِّلُ التصميمُ جزءاً جوهرياً من كيانها، ويُظهِرُ تأثُّرها بالثقافةِ والتقاليدِ اللبنانيَّة حيث للضيافةِ مكانٌ واسعٌ، والمنازلُ تظلُّ مفتوحةً وممتلئةً بالزائرين. كما تذكرُ والدتها التي علَّمتها أصولَ الضيافةِ من فنِّ التقديم، وإعدادِ الطاولة، والانتباه إلى التفاصيلِ الدقيقةِ المتعلِّقةِ بالمائدةِ، والطعامِ، واستقبالِ الضيوفِ وخدمتهم.
تشرحُ المصمِّمة، أن كل ما تقدَّم، وفضولها تجاه الثقافاتِ العالميَّة، وتقاليدها في مجالِ تقديمِ الطعام، دفعها إلى تصميمِ المجموعة، وابتكارِ أوانٍ وقطعٍ، توحي بالتفنُّن، وتثيرُ الإعجاب. والأخيرةُ مصنوعةٌ من زجاج شفَّافٍ، أو ملوَّنٍ قليلاً، وهي ذات تكويناتٍ سطحيَّةٍ مختلفةٍ. وفي هذا الإطار، تلفت كارين إلى أنها تستمتعُ بدمجِ محتوياتِ المجموعة ببعضها لإشاعةِ شعورٍ دافئٍ في المنزل. وسواءً كان الأخيرُ كلاسيكياً، أو «مودرن»، تضفي المجموعةُ عليه لمسةً من الحذلقة.
من جهةٍ ثانيةٍ، تتَّفقُ المصمِّمة مع القيِّمة الفنيَّة على أن هناك تغييراتٍ طارئةً حدثت على تصميمِ أواني الضيافةِ المنزليَّة، إذ أصبحت تُطرَحُ بكمياتٍ محدودةٍ، وتتوجَّه إلى أفرادٍ، يبحثون عن الدقَّةِ والخلود، مع جعلِ القطعِ المذكورةِ تروي القصصَ، وتكون مناسبةً بأشكالها، وألوانها، وموادِّها لفتحِ المحادثاتِ بين الضيوف.
وتلاحظُ كارين، أن الأواني يدويَّة الصنع، باتت تنتشرُ في لبنان أكثر من أي وقتٍ مضى، مبينةً أن المصممين يتبنُّون تقنياتٍ قديمةً في العمل، مع استخدامٍ متزايدٍ لموادَّ مستدامةٍ.