«أغنية الغراب».. عندما تكون التفاصيل أهم من القصة

سهى الوعل
سهى الوعل
سهى الوعل

جولةٌ مهمةٌ، انتهى منها فيلم «أغنية الغراب» أخيراً، استطاع خلالها خطف عديدٍ من الجوائز، ليبدأ عرضه الجماهيري في دور السينما، ومن ثم المنصَّات الإلكترونية؛ حيث تمكَّن من الصعود سريعاً إلى قائمة الأكثر مشاهدةً على «نتفلكس»، والسبب الفضولُ الكبيرُ تجاه الفيلم، الذي اختارته السعودية ليكون مرشَّحها في فئة «أفضل فيلم دولي» بالأوسكار عام 2023.

المخرج محمد السلمان، في رأيي، أكبرُ الرابحين من الفيلم، والسبب أن المجهودَ الذي امتدَّ سنواتٍ، وتطلَّب أعمالاً عدةً من مخرجين سابقين، ليقدِّموا أنفسهم بتعريفٍ معيَّنٍ، يُميِّزه الجميع، اختصره السلمان بفيلمٍ واحد فقط؛ إذ أصبح يوصف بشكلٍ مختلفٍ بأنه مخرجٌ يمتلك رؤيةً خاصةً به، لا تروق ربما لمخرجين كُثُرٍ من جيله نفسه، لكنها تُميِّزه جداً.

التفاصيل في الفيلم، هي المُمتعة بغض النظر عن القصة، وتجبرك على استدعاء صورٍ ذهنيةٍ كثيرةٍ، كنت تعتقدُ أنك تجاوزتها، وهذه حالةٌ لا تتكرَّر كثيراً عند مشاهدتنا الأفلام؛ إذ إننا غالباً ما نخرج مستائين عندما نشاهد فيلماً، لا تروق لنا قصته، أو نهايته، لكن مع «أغنية الغراب» الأمرُ مختلفٌ تماماً، فالقصة بحد ذاتها ليست عنصرَ الجذب، بل التفاصيل الأخرى، التي وجدت الجمهورَ على مواقع التواصل، يتحدَّثون عنها، في مقدمتها أغنيات مطلق الذيابي التي مرَّت في الفيلم، وأثارت إعجاب الجمهور، فبحثوا عنها، وتأثَّروا بها، وربما ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك متحدثاً عن الذيابي نفسه وأرشيفه.

عاصم العواد، بطلُ الفيلم، الذي فاز بجائزة «أفضل ممثلٍ» في الدورة الأخيرة من مهرجان أفلام السعودية، أعتقدُ أن السلمان تعمَّد المراهنة عليه، والحقيقة أنه كان رهاناً ذكياً وناجحاً، وربما جاء بمنزلة رسالةٍ، يقول فيها بشكلٍ غير مباشرٍ: «هكذا تكون تجاربُ الأداء».

الفنان ابراهيم خير الله، تفوَّق على الجميع في «أغنية الغراب»؛ حيث قدَّم نفسه «ممثلاً» بعيداً عن أي شخصيةٍ، ارتبط بها في ذهن المشاهدين سابقاً، واستطاع أن ينجح في ذلك، وأرى أن أداءه في هذا الفيلم كان الأفضل عند مقارنته بجميع أفلامه السابقة، ولو كان الأمرُ بيدي لمنحته جائزةً عن هذا الدور بالذات.

وإذا سُئلت: كيف تصفين الفيلم؟ فسأجيب: إنه «فيلمٌ صعبٌ»، يتطلَّب منك مجهوداً بوصفك مشاهداً، فهو ليس فيلماً للمشاهدة فقط، بل لتذهب معه أيضاً لأبعد الحدود، فيلمٌ لن تنتهي منه بمجرد انتهاء مشاهدته.. بل عندما تنتهي من وضع تحليلك الخاص، وتبحث عن إجاباتٍ لتساؤلاتك الكثيرة.. ببساطة، هو فيلمٌ، ستناقشه كلما ذكره أحدهم أمامك.