استقبل جمهور مهرجان كان السينمائي في دورته الـ77 أول فيلم سعودي يشارك في المهرجان العريق بتصفيق وحفاوة بالغتين.
"نورة".. هو الفيلم السعودي الأول الذي استطاع أن يحجز لنفسه مكاناً بين الأفلام المتنافسة رسمياً في مهرجان كان، كما استطاع أن يلفت أنظار لجنة تحكيم مسابقة "نظرة ما" في المهرجان، حيث منحوه تنويهاً خاصاً لتميزه، ليفسح المجال أمام مشاركات سعودية أكثر ألقاً خلال نسخ المهرجان المقبلة.
فيلم "نورة" هو أول فيلم روائي طويل لكاتبه ومخرجه توفيق الزايدي، الذي فاز فيلمه القصير الأول "الجريمة الكاملة" بجائزة أفضل مونتاج في مهرجان جدة السينمائي عام 2007، وتلعب خلاله الممثلة الشابة ماريا بحراوي ابنة الـ16 عاماً دور "نورة" في أولى تجاربها التمثيلية، ويلعب النجم الشاب يعقوب الفرحان دور المدرس "نادر"، بينما يشهد الفيلم ظهوراً خاصاً للنجم عبدالله السدحان في دور "أبوسالم".
تنطلق أحداث الفيلم من لحظة درامية تشبه لحظة ارتطام حجر صغير ببركة ماء راكدة، حيث يصل "نادر" المعلم الشاب إلى إحدى القرى الصغيرة في المملكة العربية السعودية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وتحديداً في عام 1996، حيث القيود الاجتماعية الصارمة التي لا ترحب كثيراً بالفن والرسم والموسيقى، وهي أمور تحلم بها الفتاة اليتيمة "نورة"، ويحبها ويجيدها "نادر"، فتنشأ من هنا العقدة الدرامية الخاصة بالفيلم.
هل تابعتِ.. توفيق الزايدي: قدمت في نورة قصة بسيطة وقوية ولغة السينما تصل للكل.. لقاء خاص مع «سيدتي»
مناظر سينمائية بديعة
"نورة" هو أول فيلم سعودي يتم تصوير أحداثه بالكامل في منطقة العلا، وهي منطقة استثنائية ذات جمال طبيعي وتراث غني، وهو ما يظهر من خلال المناظر السينمائية البديعة في الفيلم، حيث الصحراء الواسعة التي تعكس رغم روعتها البصرية جفافاً وعزلة، يغلفان أجواء وشخصيات العمل.
تعيش الشابة "نورة" (ماريا بحراوي) في القرية بعدما فقدت والدتها وتخلى عنها والدها عندما كانت طفلة، ولذلك جاءت لتعيش هي وشقيقها الصغير نايف (عبدالرحمن الوافي) مع خالتها (عائشة كاي).
أثناء الاستماع إلى الموسيقى على أشرطة الكاسيت والنظر إلى المجلات - وكلاهما ممنوع منعاً باتاً في القرية وتحصل عليهما "نورة" بشكل سري من خلال بقال القرية، تجد "نورة" عالماً يزدان بالموسيقى والفن وحب الحياة، وتشعر بأنها تنتمى بقوة إلى هذا العالم، لكنها لا تستطيع أن تصرح مجرد التصريح بذلك بسبب التقاليد المجتمعية الصارمة.
خلال ذلك، يصل المُعلم الجديد "نادر" (يعقوب الفرحان) إلى القرية، ويطلق عليه أهل القرية اسم "الغريب"، حيث يأتي مرتدياً النظارات الشمسية ويدخن السجائر الأجنبية التي لا يمكن الحصول عليها إلا في المدينة، يحاول "نادر" تعليم الأولاد القراءة والكتابة في المدرسة، ولكن ليس كل من في القرية يحب ذلك، بل إن بعضهم يخشى من الكهرباء التي يهدد المشروع الجديد بجلبها إلى القرية الصغيرة، وذات يوم يحاول "نادر" مكافأة أحد طلابه المتفوقين "نايف" -شقيق نورة- من خلال صورة قام برسمها له داخل الفصل، وعندما تصل تلك اللوحة إلي يد "نورة" تصبح الفوضى أمراً لا مفر منه.
حبكة درامية غنية
"نورة" ترغب في أن تصير لها صورة مثل تلك التي تراها داخل المجلات، فتحاول التواصل عبر بقال القرية مع المعلم "نادر" من أجل أن يقوم برسمها وبعد شد وجذب، يُقدم الثنائي على تلك الخطوة الجريئة بترتيب موعد داخل محل البقالة ليقوم برسمها، في مشهد يذكرنا بأحد أشهر مشاهد الرسم في السينما في فيلم "تايتانيك"، لكن الفارق هنا كبير، فالرسام هنا "نادر" لا يرى ممن يقوم برسمها إلا عينيها فقط، حيث يخفي "النقاب" وجه "نورة" بالكامل ما عدا عينيها، ومع ذلك، فإن "نادر" هو الوحيد الذي يرى "نورة" الحقيقية، فقد استطاع أن يرى روحها، وأن يلتقط العاطفة في عينيها، والحيوية والرغبة في الحلم.
القرية التي تدور بداخلها الأحداث لا يوجد بها كهرباء، ولكن الأوقات الوحيدة التي نرى فيها الشخصيات مضاءة بلهب وامض هي خلال لقطات مقربة رائعة لـ"نادر" و"نورة" في عزلة، وهما يحدقان في الصور المرسومة لبعضهما البعض، وبالرغم من أنه لا توجد هناك شرارة رومانسية بينهما، إلا أن روحيهما تتلاقى في مساحة مشتركة من الأحلام الممنوعة المرغوبة التي قد تقودهما إلى مصير شائك يتسلح خلاله كل منهما بالآخر وهما يقفان على حافة التغيير.
ما قد يؤخذ على تجربة توفيق الزايدي الروائية الأولى بعض الرتابة التي اتسمت بها الأحداث، خاصةً في النصف الأول من الفيلم، حيث الإيقاع الهادئ والمشاهد المتكررة ما بين الفصل الدراسي وغرفة "نورة" وتجمعات كبار أهل القرية الذين يتزعمهم الرجل الهادئ المتزن "أبوسالم" (عبدالله السدحان)، إلى جانب بعض مشاهد التأمل والسكون التي بدت وكأنها محاولات لملء فراغات درامية لم تزد إيقاع الفيلم إلا رتابة في بعض الأحيان، إلى جانب بعض التصرفات المفتعلة غير المبررة التي بدت مقحمة درامياً خاصةً مع نهاية الفيلم.
قد يعجبك.. ماريا بحراوي تتحدث عن كواليس فيلم نورة والعقبات التي واجهتها ودعم الكل.. لقاء خاص مع «سيدتي»
أداء تمثيلي مميز
التمثيل كان مقنعاً طوال الوقت. فقد تميزت ماريا بحراوي في تجسيد شخصية "نورة" المراهقة الحالمة المتمردة المصممة على التغلب على محيطها المحافظ وإزالة أغلالها، وقد نجحت في إيصال ما يختلج بداخلها من مشاعر، حتى خلال المشاهد التي لم نرْ منها فيها إلا عينيها فحسب، ويُحسب بشدة للمخرج توفيق الزايدي ثقته في موهبة ماريا بحراوي وإسناد هذا الدور إليها في تجربتها التمثيلية الأولى، وبينما يتألق يعقوب الفرحان بحضور رائع أمام الكاميرا وأداء تمثيلي يكشف عن فنان واثق من قدراته ومتفهم لطبيعة الشخصية التي يلعبها، كان أداء شخصية "أبوسالم" التي جسدها النجم عبدالله السدحان نقطة هامة في مشواره استطاع خلالها من خلال صوته الرخيم وعينيه الثابتتين اللتين تعكسان مظهراً قوياً صارماً يخفي وراءه قلباً مؤمناً بالحرية والحياة.
موسيقى الفيلم التي ألفها الموسيقار عمر فاضل كانت من أبرز العناصر الإيجابية في الفيلم، وما زادها جمالاً هو توظيفها الجيد خلال المشاهد الدرامية، حيث أضفت حالة من الشجن والترقب على الجو العام للفيلم، كذلك مدير التصوير Shaun Harley Lee الذي أبدع في نقل صورة نجحت في نقل الحالة النفسية لشخصيات العمل والجو العام الذي يُغلِّف الأحداث إلى جانب إظهار روعة مدينة العلا التي تم تصوير الفيلم بها بشكل ذكي يخلو من التعمد والإقحام.
إجمالاً، نجح "الزايدي" بأسلوبه السهل الممتنع الذي يبدو بسيطاً لكنه لم يخلُ من الرمزيات الواضحة، في تقديم وجبة سينمائية منضبطة تعكس باختصار كيف تحول شغف الشعب السعودي للفن والسينما والموسيقى إلى واقع ملموس استطاع أن يلفت أنظار العالم في وقت قياسي، وبالرغم من أن الفيلم لم يكشف لنا الكثير عن مصير "نادر" و"نورة" في نهاية الفيلم، إلا أن نهاية الفيلم جاءت إيجابية ومعبرة، وكشفت عن تحول الأمل إلى واقع ملموس، بشكل يألفه القلب ولا تخطئه العين.
تابعي المزيد.. يعقوب الفرحان: فخور بعرض نورة في مهرجان كان والفيلم يخص كل سعودي.. فيديو خاص سيدتي
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام سيدتي».
وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك سيدتي».
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «سيدتي فن».