الخيمة التي ينصبها الأطفال تحت اللحاف، وفي الشمال كرات الثلج، والتمثال الثلجي المهيب ذو الأنف الجزرة في عيد ميلاد السيد المسيح الذي يحتفل به الأطفال في الغرب اليوم.
للكبار أيضًا ألعابهم، في سهرة ميلاد العام الجديد يلبسون الطراطير وينفخون الصفافير الورقية، ويطفئون النور في الدقيقة التي ينتهي فيها العام الذي شاخ، وامتلأ رأسه بالمشيب، ويولد فيها العام الفتى العفيّ الواعد بالكثير.
ويلعب الكبار أيضًا لعبة الأمنيات، يطفئون أعينهم ويحلمون في أعياد ميلادهم، يحلمون بالسعادة والحب، حتى وإن بلغوا السبعين والثمانين، ينفخون اللهب الصغير بأنفاس أقوالهم المضمرة التي لم ينطقوا بها، فإن أصابت الشمع من أول نفخة، فإن ذلك يعني أنهم قادرون على تحقيق أحلامهم، أو أن قوة ما، قادرة، سوف تساعدهم على أن يقابلوا عيد ميلادهم القادم بابتسامة النجاح والرضا.
إلا أن هذه اللعبة قد نلعبها في الشتاء أو صيفًا، أو في أي فصل من فصول السنة، لكن الشتاء يمتاز بلعبة خاصة هي لعبة الدفء، وما يجلبه الدفء من نعاس، وما يرسمه النعاس من أحلام.
تحت الأهداب المغلقة يلمع إنسان العين، تزورنا الأطياف ونحن ملتفون بالدثار السميك، تزورنا ونحن صاحون، تجلس عند طرف السرير، تخاطبنا بما لا نفهمه؛ لأننا غصنا بشرًا في بحر النوم. وأحيانًا تغوص الأطياف معنا إلى حيثُ أسماك الخيال الملونة وشعاعها الفوسفوري الجميل والمخيف.
إن الدفء يدعو للأحلام، والأحلام تدعو للشجن، أو للطرب، لكن البرد هو اللاعب الأساسي، فهو الذي يجعلنا نلتمس الدفء، فإن وجدناه ابتسمنا وحلمنا، وإن لم نجده لعبنا لعبة الحزن وارتعشت أوتارنا حتى الغناء.
فليس صحيحًا أن الغناء دائمًا تعبير عن المزاج المرح و«الفرفشة»، لنتأمل عبد الحليم حافظ مثلاً، خاصة في أفلامه، كم أغنية غناها حزينًا، وكم فرحًا؟ احسبيها يا سيدتي العزيزة.
وبعضنا يعلن البرد التماسًا للحنان، فينام بلا غطاء متعمدًا حتى يأتي المحبوب فيغطيه، فإن جاء المحبوب وغطاه، قد يرفس الغطاء بعد ذلك بطرًا، أو لأنه ليس «بردان» أصلاً.
والبرد محترف للعبة الحنين، لست أدري لماذا نشتاق إلى ما مضى حين يأتي الشتاء، هل لأن هناك دفئًا ما فقدناه؟ سقط منا على درب الحياة؟
إننا دائمًا نتصور أن ما مضى أجمل مما هو الآن أو سيجيء، خاصة مرحلة الطفولة، فنحن نحيطها بدثار من حنان وغيمة من حنين.
ولأن البرد يولد الحاجة لتلاصق الأجساد اجتلابًا للدفء، فالحب واحتياج الآخر هو أغنية الأبدية:
تعال يا حبيبي، أشرقي يا حبيبتي، أدفئيني بشمسك.
مد لي يدك يا زوجي العزيز، ربِّت خدِّي، وكن حنونًا كشمس الشتاء.
دعيني أبسط يديّ لوهج المدفأة، فالنار نسبية ككل شيء، لكن جمالك مطلق.
لا تتركني عند الباب، فالريح قاسية في الخارج، والدفء والنور في قلبك، قلبك بيتي الذي أهواه، والثلج عند الباب، وكفي تطرق بلا انتهاء.
هل تنتظر حتى أموت من البرد؟ أيُّنا سيعيش بعد نهاية الآخر: أنا أم الشتاء؟
< < <
فإذا أتى الصيف يا سيدتي العزيزة ربما نسيت كل هذا الغناء، فالاكتفاء بالذات علامة من علامات الدفء الذاتي الذي لا نحتاج للآخرين للحصول عليه.
لكنك ستردين:
وماذا عن الربيع؟
هنا غلبتني يا سيدتي..
فالقلب أيضًا يغرد مع القلوب في الربيع.