في عالم النبات تشبيهات لكِ، وتشبهات بكِ، شبه منك في الوردة الحمراء والبيضاء، في عود الفل وضوعة الياسمين.
أنت أريج مركب من كل عطور مملكة النبات، عبر الزنابق البيضاء، البخار العطري المتصاعد من زهور الغابات الاستوائية.
أشبِّه بك الريحانة، والوردة الطفلة الوسنانة، وقلبها الواعد بالبوح بعطر بريء، أشبِّه بك جمالات مملكة النبات لكي أمنحها صك الجمال. أقول في وصفي للحديقة، في مديحي لها:
هذه القرنفلة البيضاء كحبيبتي، فرحة مرحة ناصعة، عطرها كبعض عطور صاحبتي، به خفة وشقاوة ودلال بريء.
وهذه البنفسجة فيها أناقة محبوبتي، وسهومها حين تفكر سارحة في السماء وكروان المغرب يسبح في مزيج الزرقة والحمرة، ويطلق تسبيحته المغناة لمالك الملك. البنفسجة مثلها أحيانا حزينة لكنها أيضا جميلة. أشهد لها بالجمال، ويكفيها حسنا أن تشبه جميلتي.
حبيبتي عصفور الجنة، زهرة النار، تباع الشمس، الليلك، السوسن، البانسيه، الريحان، النعناع، الورد، الفل، القرنفل، الياسمينة رقيقة مثلها، ظل شجرة التوت حنون كما هي حنون، إذا أحبوا أن يشرفوا زهرة البرتقال قالوا تشبه فتاة هذا العاشق المسحور.
ومن الثمار ما يحوي رحيقها، عصيرها المسَكِّر المسكِر ، استعارة منها وتشبيها بليغا، فيقال تفاحة كخدها، حبتا كرز كشفتيها، رائحة البرتقال كنفخة شعرها، عنب مسكر كرحيقها.
حبيبتي، زوجتي، صديقتي، طفلتي، أمي.. أقول فيها ما شئت وإن كره أعداء الحسن والجمال، ذوو الامتعاض والتقطيب كمن جرشوا ليمونة فاسدة، أو عضوا لسانهم وهم يلوكون أفكارا متجهمة ممرورة.
حبيبتي النباتات تتفتح في دفء الشمس، والنبات كحبيبتي يبتسم في وجه الشمس والناس والحياة.
وقديما قالوا في وصف محبوبتي:
يسعى البحر إلى قدميك
كي يتلقى الموج شحنة الفوران
يفر من غصنه الطير مهاجرا إليك من برد الحرمان منك
تفتح رموشها الشمس مبكرا
كي تحظى بأول نظرة لوجهك
يصعد في الجذع عصير الحياة
لكي تُبلغه الغصون للفروع
وتلقنه الفروع للزهور
وتورثه الزهور للثمار
وتعلنه الثمار والزهور
نحن محاولات لتشبيهات شعرية تليق بك
أيتها الشيء الذي لا نظير له في هذه الأرض الثرية
أيتها المثال الأعلى للنباتات
يا أنتِ التي تنحلين في الليل إلى موسيقى
وتمتلكين في الفجر مفاتيح النغم
فتوحدين الشرق والغرب والجنوب والشمال في أوركسترا واحدة
فتنجحين فيما فشل فيه الساسة والرياضيون والمؤرخون
سلام عليك أيتها المحبوبة الجميلة
وسلام على من أحبك
ورد وفل وياسمين، ياسمين وفل وورد، بحر يغازل السماء، وسماء تحنو على البحر، شمس تحمرّ كبرتقالة، رمانة تصر على أن تنتسب إليك، تكون جزءا منك. الزهور تتصارع من أجل أن تفوز ألوانها بك. فمن قائلة إن عيونك مثلها زرقاء، ومن ريحانة تقسم بعطرها أن عيونك خضراء، ومن زيتونة توجه إنذارا لمملكة النبات كلها بالويل والدمار إن لم تشهد بأن عيون الحلوة سوداء.
والورد الأبيض والوردي يتراهنان على بشرتك، فينسبها كل واحد إلى لونه، وهناك من يقوم باقتراح وحدة كونفدرالية لكل الورد؛ للوصول لذلك البياض المشرب بالحمرة وفيه صفار العاج الذي يميز بشرتك (الاقتراح كان من الوردة الصفراء وأسرعت بقبوله الحمراء)
وقديما قال العرب: هيفاء كغصن البان، يتأود غصنها مثله حين تهزه ريح الصبا، فيهتز كأوتار عود في مقام الصبا، وقالوا: أنامل كالعناب أو العندم، (وهو زهر أحمر) إشارة للخضاب بالحناء، وقالوا عيون كالنرجس.
وكان اليوناني الشاب ناسيوس (وهو الاسم اليوناني للنرجس ومن ذلك الشاب جاء اسم الزهرة)- كان يتأمل حسنه وجماله الذي صار مضرب الأمثال في ماء بحيرة صافية، أما أنت فتتملّين جمالك في الكائنات حولك:
كل زهرة، كل ثمرة، كل شجرة، محاولة لتشبيه شعري بشيء فيك، محاولة جريئة، بل مغامرة للتشبه بك، جريئة وناقصة مهما اجتهدت، تطمح إليك حتى تقترب منك لكنها لا ولن تبلغك.
أما أنت فتتأملين حسنك في تلك المرايا الناقصة، وأنا أضيف إليها مرآتين: مرآة كلماتي، عالما أنها هي أيضا قاصرة. فسامحيني، وسامحنني يا قارئاتي العزيزات؛ لأن كلماتي تجتهد ولكن تعجز في النهاية، ككل ما يطمح للمثل الأعلى.
ولو كانت الفوتوغرافيا قادرة على التقاط صورة لحبيبتي لوضعت صورتها هنا، وأرحت نفسي، لكن سناها الوهّاج تنهزم أمامه أي كاميرا، فلتقنعن إذن يا عزيزاتي بما كتبت، وتسدُدْن النقص بما أنعم الله عليكن من خيال، ولا تغرن منها، ولا تيأسن من تخيلها؛ لأنها من صنع خيالي، وما جاء من خيال لا يصل إلا لخيال.