سيدي ليس هناك ما هو أفظع من الغدر، خاصة عندما تكون الحياة تسير على خير ما يرام، وبالتدريج تنقلب السعادة رأسًا على عقب، ولا نعرف بعدها سوى الشقاء والبؤس القهري، والأسوأ أن يحدث كل هذا من دون أن نرتكب ما يستدعي ذلك، لا أدري بالتحديد متى ولماذا بدأت تحرمني من السعادة وأنا التي لم أغضبك يومًا، فقد كنت لك دومًا نبع الحنان والحب. علاقتي بك كانت أكثر من رائعة، ورافقتك في مشوار حياتك والتصقت بك خطوة بخطوة، ولم أكن معك إلا مثال الزوجة التي تسعى جهدها لإسعادك، وكنت كلما تطرق بابًا من أبوابي أفتحه لك، ولم أبخل عليك برأيي ولا بعواطفي ولا بوقتي، فقد كنا مترابطين تجمعنا الصداقة والألفة. كيف انتهى كل ذلك وكيف تناثرنا كحبات عقد ولم أستطع أن ألم شمله؟ لماذا فجأة وبعد عشرتي الطويلة معك لاحظت شرود ذهنك، وكثرة سرحانك، وقلة تركيزك، وبدأت تتوالى بعدها تصرفات غير معهودة منك، وأحسست بأنك لا ترغب بقربي، وازداد حاجز الصمت رسوخًا بيننا حتى لجأت لأسلوب مختلف، وبدأت تفتعل الزوابع… وكلما ننتهي من زوبعة تصرُّ بتصرفاتك على أن تعبث بآثارها وتنفخ في مخلفاتها؛ لتثير الرماد لعله يشتعل من جديد، ويومًا بعد يوم تبدأ بزوبعة جديدة، وتفتعل الخلافات من دون سبب مقنع، ورغم ذلك صبرت حفاظًا على بيتنا، وكنت أمارس دوري الطبيعي، وكأن شيئًا لم يكن، لكنك مصر على أن تخطط لانقلاب جديد وتعزف على أوتار العنف رغم هدوء العواصف، وتبذل جهدك لتثير المشاكل وتوزع الاتهامات على كل من يعترض طريقك، أو يجرؤ على التصدي لجبروتك. والغريب أن كل ما تفعله يتم جهارًا عيانًا بيانًا من دون تقدير أو احترام لمشاعر الآخرين، وتستغل قدرتك وقوتك ونفوذك؛ لتئد كل ما من شأنه إصلاح الحال، والأكثر غرابة أنك بدأت تتفنن بألفاظ نابية، وتهدد وتتوعد لإثارتي، وتجاوزت الحد المسموح به وبدأت بإهانتي، ونعتي بالغباء، والملل، وقلتها صراحة: إنك لم تعد تقوى على تحملي أكثر من ذلك، وأنهيت على البقية الباقية من مقاومتي، وتماديت حتى نسيت أني لا أقبل التطاول على ذاتي أو أبنائي من دون وجه حق، ومن دون إبداء الأسباب سوى لغاية في نفسك؛ حتى وضحت غايتك وطفت على السطح حين أخبرتني أن عمر زواجنا الافتراضي دخل مرحلة الاحتضار الأخير… وصدمتني بقولك إني أصبحت إنسانة لا أناسبك لا سنًا ولا ثقافة، وكأن السنوات رسمت خطوطها على معالم وجهي وتغافلت عنك، أو كأن العمر تقدم بي أضعافًا مضاعفة وبقيت أنت في نفس عمرك، ونسيت أو تناسيت أن كل خط خطه الزمن على ملامحي وكل إرهاق وكل تغير شملني هو بسبب صبري وكفاحي خلال أعوام وقفت فيها إلى جانبك قلبًا وقالبًا، قولاً وعملاً، روحًا وجسدًا، سنوات كرست فيها عمري من أجلك، تركت دراستي لأتفرغ لك، وابتعدت عن مجتمعي لأتقرب منك، وأنت الآن تحارب لتجد لنفسك العذر والمبرر؛ لتهرب من حياتك معي، وتعيش حياة جديدة. أنا لا ألومك على مشاعرك وأحاسيسك نحوي فليس لي الحق بذلك، لكن ألومك على خداعك، ألومك على عدم البوح بما قررته في لحظة تنفيذك لقرارك بالارتباط بأخرى، وأكثر ما يؤلمني منك استغفالك وإخفاؤك الوقائع، وتعذيبي بسوء تصرفاتك، لكن يا عزيزي قضيتك خاسرة وادعاءاتك مرفوضة لسبب بسيط؛ هو أني لن أسمح لك بالتمادي في باطلك، فلو كنت تنوي الاستمرار معي لما افتعلت ما فعلته، ولما كرهت استقراري ولا سعيت إلى زعزعة أبنائك، ولم يكن أسلوب حياتك ليختلف معنا، بل على العكس كنت ستكون أكثر لينًا وتسامحًا، ولو كنت متأكدًا من حسن تصرفك لسلكت الطريق الطبيعي، ولم تستخدم أساليب ملتوية، فلا داعي لكل ما تثيره من زوابع، ولك مطلق الحرية يا سيدي في أن تفعل ما تريد وتعيش مع من تحب وتمارس دورًا جديدًا تمثل فيه دور مراهق في سن الخمسين. وعن نفسي سأحاول ترويض الصدمة القاسية التي حلت على استقراري.
أنين امرأة
كنت أشعر بأن العالم كله لي بسمائه وأرضه، بجباله وغاباته، بأنهاره وبحاره، بتاريخه وحاضره. واليوم... اليوم أشعر بأنني حبيسة غرفة مظلمة مقيدة على كرسي يخنقني ويشتكي من استسلامي،
يا ابنة الأمس عودي، ربما كنت أحلم فأصحو على طهارة ضحكاتك أو سخونة دموعك، في أحضانك استودعت براءتي، ردي لي الأمانة، ردي لي الأمل!
د. ميسون الدخيل