أين ذهب الحب؟

قال أحد الحكماء «إن الزواج رحلة العمر في بحر الحياة، وتحتاج هذه الرحلة إلى زاد لتنتقل بأمان بين شاطئي نهر الزمان، وهي تحتاج إلى زاد من الثقة والتسامح والصبر، تحتاج إلى زاد من قوة السواعد المشتركة حتى يضربا صفحة الماء معًا، فيحفظ للسفينة توازنها أمام العاصفة حتى تشرق الشمس بعدها، ويساعد النسيم على سير السفينة بأمان، وهو يداعب شراعها، وحتى يكون ساعدك قويًا فلا تيأس، ولا تترك المجداف، حتى لا تسير السفينة على غير هدى، إنها رحلة العمر، فلتحمل نهايتها سعادة بدايتها».

 والآن وقفة قصيرة على ساحة واقعنا، وبعدها نتساءل: ترى ماذا حدث لمشاعرنا، وأحاسيسنا، وعواطفنا، وعلاقاتنا؟! ولماذا لا نريد أن نعترف بأن الحب على وشك أن يضيع من بيوتنا في زحمة الحياة، سواء قبلنا أم لم نقبل، رضينا أم لم نرض؟ وأن السكينة صمتت، ورحلت طيور الود، ونامت الرحمة؟ برغم عدم إنكارنا أنه ما زال ملء أسماعنا، وأبصارنا، وعقولنا، نفحات من قصص رائعة مضت ورحل أصحابها، وما رحلت مآثرهم، وما زلنا نتغنى بسعادتهم، وتسامحهم، وعطائهم، وتضحياتهم على الرغم من مرور سنوات وسنوات عليها.

فالبيت الذي كان يعني السكن، والأمن، والدفء، والحب، والحنان، كلها معانٍ بدأنا نفتقدها، فالأب يصرف، ولا يعرف كيف، وأين تذهب نقوده، وبرغم ذلك يبحث عن راحته فلا يجدها، يبحث عن شريكة حياته فيجدها مشغولة عنه بنفسها وأولادها، والأم تداري ما تعانيه من مشاكل الأبناء، والمصاريف، والمسؤوليات، والأبناء يسرحون، ويمرحون هنا وهناك من دون رقيب، أو حسيب.

فكم من البيوت هدمت بسبب حماقة الرجال، وغرورهم، ونزواتهم، وكم ضاعت بيوت من وراء الكلام والوعود الكاذبة، وكم تهاوت زوجات من القمم بعد الأمان المصطنع، والوفاء الكاذب، وكم من النساء وقعن فريسة المرض، والوحدة، والهوان بعد أن أذلهن الرجال الحمقى، وهجرن عشهن بعد سنوات طويلة، ضحت فيها تلك الزوجات بالقلب، والروح، والدموع، والأموال.

إن السعادة الزوجية ليست أمرًا مستحيلاً يمكن أن نحصل عليها بذكاء الزوج، أو الزوجة، ومعرفة مفاتيح، وأسرار هذه السعادة، القيام بالتنازلات الضرورية من أجل بناء حياة مشتركة، زواج منطق وقابل للاستمرار، لكل منهما رأي مستقل، ويحترم مجال حركة الآخر، وحقوقه لا وجود في علاقتهما للمشاكل والصراعات، وإن حدثت فهي قليلة يتقاسمان الإحساس نفسه بالمسؤولية، والرغبة نفسها لبناء علاقه من شأنها أن تتماسك وتستمر، ويمتلكان حنانًا لا حدود له واهتمامًا حقيقيًا للآخر.

فالمشكلة الأساسية لأي زوجين هي الحوار من أجل نجاح الزواج، وليس فشله، والتغاضي، وصراع القوى، وقبول الاختلافات، والتعاون لخلق التوازن بين جميع الأطراف، والحب الحقيقي يكمن في القرب، والتضحية، والعطاء المتبادل، وتوفير الأمن والطمأنينة، والصعاب عادة تنهار أمام البناء القوي.

خاصة أن الدين الإسلامي أعلى من قيمة الزواج وحث عليه، طالما هناك إمكانية لذلك، والزواج لابد منه؛ لأنه عصمة، وحماية للشباب المسلم، فهو سكن وسكينة، فالأسرة هي الخلية الأولى في بناء المجتمع الصالح المؤمن، إن قامت على أسس سليمة، وقواعد صحيحة، من الإيمان والسلوك، والتربية الفاضلة، والتفاهم بين الزوجين.