تسألني الصبيّةُ الطامحة لأن تُصبحَ كاتبة: من أين أبدأ؟
سؤالُها يفتحُ أبواباً مغلقة، وأحار أيّ تلك الأبواب أختار.
نبرةُ صوتِها جدّية. وهي تريد أن تعرف، وأن تُفيدَ من خبرة مَن سبقَها. ولكن، هل هناك وصفةٌ معيّنة يمكنُ الاعتماد عليها لكي نُرشدَ مَن يطلبُ المعرفة؟
>>>
وكنتُ في مثلِ وضْعها عندما طلبتُ النصحَ من أستاذي الجامعي، وكان يتابع تدرُّجي، ويرصد خطواتي الأولى في عالمِ الأدب.
وفي حينه، قصدتُه كي أسجّل اسمي في عداد طلبةِ الدراسات العليا.
أصغى إلى طلبي بإمعان، ثم قال بلهجةٍ حازمة:
عودي إلى مكتبكِ، أو إلى دارك، وتابعي كتابتك الأدبية، روايةً وقصّة.
وكنتُ قد تجاوزتُ مرحلةَ التجاربِ الأولى، ونشرتُ روايتين، وأستاذي يَنصحني بالمحافظة على عفويتي.. وقد استفاضَ في شرح نظريته بأنَّ الكتابة الإبداعية، مثل الشعر والقصّة والرواية، يُشبه العملُ عليها تفجّرَ المياه من قلب الينبوع، أو تفتّحَ الزهر فوق أغصان الشجر، وزقزقةَ العصافير في الغاب.
أي أنه الصوتُ العفوي والطبيعي ولا يجوزُ سكبُهُ في قوالبَ تحدّده، وترسمُ حولَه دوائرَ وقيودا.
>>>
تذكّرتُ كلامَ أُستاذي والصبية جالسة أمامي، وتنتظر منّي النصحَ والإرشادْ. ولم أجد، للردّ عليها، أفضل من نصيحة أستاذي أقدّمها إليها.
فنهضتْ من مقعدها وهي تُردّد: كنتُ أبحثُ عن باب أعبُر من خلاله نحو المستقبل، وقد فتحتِ لي الآن ذلك الباب. إنما بقي لديّ سؤالٌ أرجو أن تُجيبي عليه: من أين أبدأ؟ لقد جرّبتُ قلمي فكتبتُ بعضَ مقالاتٍ وقصائدَ وجدانية، تُعبِّر عن حالةٍ نفسية، أو عن إحساسٍ معيّن، لكني أشعرُ بأن ذلك لا يكفي، وفي داخلي بركان من مشاعر وأحاسيس تطلب الانعتاق.
ورداً على ذلك، قلتُ للصبيّة: ليستْ لديّ وصفةٌ معيّنة يُمكن أن أقدّمَها إليك، لأن الكتابةَ، في مفهومي، هي بحثٌ متواصل، في داخلِ الذات كما في الخارج. وأستوحي جوابي من خبرتي الشخصية لأقولَ لك: إقرإي ولا تملّي القراءة. ثم أُكتبي تجاربَك، ما عرفتِ وعشت. وحافظي دائماً على خطِّ إبداعِك وتفرّدك، فلا تنقلي أفكارَ سواك، أو تُقلِّدي غيرَك. واحرصي على أن يكونَ نهجُ قلمك، لغةً وأسلوباً، يَخصُّك وحدَك.