صديقتي إلهام تعيش مع أولادها في لندن، منذ بدأت أخبار إنفلونزا الخنازير في نشرات الأخبار صرت أسألها وتسألني، إلهام تتابع من لندن قنوات التليفزيون العربية، وكانت تتعجب كثيرًا من حجم التغطية للموضوع، قالت إنها سمعت عنه في التليفزيون الإنجليزي، ولكن الموضوع عادي جدًّا، تسألني: لماذا نثير الفزع ونشعر به؟ قالت لي إن زوجها قد تعجب كثيرًا حين سافر إلى القاهرة، ورأى الاستعدادات الهائلة بالمطار، ورأى مندوبين من وزارة الصحة، وضباط الجوازات، وموظفي الجمارك، يرتدون الأقنعة الواقية.. قالت لي: لماذا كل هذا؟ وحين صدر قرار في مصر بذبح كل الخنازير كلمتني، وقالت إن برامج الراديو والتليفزيون الإنجليزي ليس لها إلا موضوع واحد.. مسكينة خنازير مصر!! حاولت أن أشرح لها كل مبررات ذبح الخنازير، وكيف أن الموضوع لا علاقة له بالتفرقة بين المسلمين والمسيحيين، ولا علاقة له إلا بالصحة العامة، ولكنها حدثتني بأن جمعيات الرفق بالحيوان في لندن مستاءة من مقتل خنازير مصر، وأن البرامج الإذاعية عندهم تتحدث ليلاً ونهارًا؛ دفاعًا عن الخنازير البريئة، وأنها لا ذنب لها، وأنها لم تقترف أي جريمة تستحق عليها هذا القرار بالإعدام الجماعي، هكذا هم دائمًا نسمع أصواتهم الحنونة دفاعًا عن الخنازير وعن الكلاب والقطط، ولا نسمعها حين يكون الضحية أطفالاً في فلسطين أو في العراق أو في البوسنة.
منذ أيام تغيرت الأوضاع، صارت إلهام تروي لي عما تتناقله وسائل الإعلام البريطانية عن انتشار إنفلونزا الخنازير عندهم، أعداد المصابين صارت بالآلاف، ثم وصلت إلى عشرات الآلاف، وزير الصحة البريطاني صرح بأن عدد المصابين سيزداد ليصل إلى مائة ألف مصاب أسبوعيًّا مع نهاية شهر أغسطس، المستشفيات امتلأت عن آخرها، تعليمات جديدة تذاع للمواطنين في بريطانيا: إذا أصبت بإنفلونزا الخنازير فلا تذهب إلى المستشفى، فقط اتصل بطبيبك تليفونيًّا، وابقَ في منزلك حتى لا تنتشر العدوى. كلمتني إلهام أول أمس، صوتها كان مخنوقًا، تمسك نفسها من البكاء بصعوبة، قالت لي: علي ولدي الصغير -أربعة عشر عامًا- أصيب بإنفلونزا الخنازير، في الأسبوع الأخير من الدراسة، طبعًا انتقلت إليه من الفصل، زملاؤه كلهم انتابتهم نفس الأعراض: ارتفعت درجة الحرارة، مصحوبة بالسعال، وأصيب بالزكام، والتهاب الحلق، وأصيب علي بالشعور بالإرهاق الشديد والرغبة الدائمة في النوم، ظهرت الأعراض في يوم الأحد، ومن حسن حظ إلهام أنها كانت تعرف رقم تليفون منزل الطبيب، اتصلت به فردت عليها زوجته، وقالت لها إنها ستحمل إليه الرسالة، ومضت ساعات طويلة قبل أن يتصل بها الطبيب، الذي اعتذر لها بأن زوجته لم تبلغه إلا الآن بالمكالمة، وما إن نقلت له الأعراض حتى شخّصها بأنها إنفلونزا الخنازير أو «إتش وان إن وان»، وطلب منها أن تحضر إلى العيادة في الصباح الباكر لتأخذ الروشتات لصرف الدواء، أعطاها الطبيب روشتة لعلي، ولكل فرد من أفراد الأسرة، والدواء هو «تامي فلو»، بمعدل قرصين لعلي يوميًّا، وقرص واحد لكل فرد من أفراد الأسرة، وطلب من الجميع عدم ترك المنزل حتى يتماثل علي للشفاء.
قالت إلهام إن علي قد أخذ في التحسن منذ بدأ يتناول الدواء، ولكن الجميع لا يزالون بالبيت. أتمنى لهم الشفاء، ويا ربّ مرِّر هذا الوباء على خير، ونكون هنا في الوطن العربي على أتم الاستعداد لمواجهته.