|
كان لدي شغف لا أقاومه عندما أسمع عن حادث ما، كتصادم بين سيارتين، أو حريق ما، أو مشاجرة دامية بين شخصين أو أكثر، فأركض، حتى أكون ملمًّا بكل ملابساته المشوقة، وعن أسباب هذا الحادث، حتى إذ عدت لأصدقائي أفتخر بأن أكون ناقل الخبر بكل تفاصيله، ولا مانع لديّ بأن أضيف عليه ما يزيده إثارة وإضفاء روح من الحماسة على الموضوع، وذات مرة كنت جالسًا على مقهى بشارع عام، وفجأة سمعت صوت اصطدام هائل، وتبين لي أن هناك تصادمًا هائلاً وقع بين سيارتين، على الفور تركت مقعدي بالمقهى وهرولت كأفضل عدَّاء، والغريب مع أن الحادث لم يمر عليه سوى ثوان، لكن المكان امتلأ بسرعة غريبة، أيقنت لحظتها أنني لست الوحيد ممن لديه هذه الهواية، حشرت نفسي بين الحضور، واقتربت حتى بدا لي المشهد واضحًا بكل تفاصيله، فقد اختلطت الدماء بالأشلاء، بشكل لم أعرف فيه مؤخرة السيارة من مقدمتها، بدأت أشعر بدوار، وسمعت صوت ضربة قوية على رأسي وغبت عن الوعي، وعندما ارتد لي وعيي، وجدت نفسي ممددًا على السرير الأبيض، وأسمع همهمة من حولي، لكني لا أستطيع تفسيرها، وشيئًا فشيئًا بدأت أتذكر أنني كنت حول حادث سيارتين، نظرت حولي فوجدت بعض الأطباء والممرضين وأشخاصًا آخرين، ثم اقترب مني شرطي وسألني: أنت كنت بأي سيارة منهما؟ فقلت له: سيارة!! أي سيارة؟! لا أتذكر، فهزني من كتفي وقال: أنت..؟ وأنا بين الوعي والهذيان، فكرر عليّ سؤاله، فقلت له: لم أكن بأي سيارة.. فردّ أحد الموجودين وقال: «هذا لم يكن بداخل أي سيارة، إنه كان من ضمن المتحلّقين حول الحادث، وسقط فجأة مغشيًّا عليه، وضرب رأسه الرصيف عندما سقط، فاقدًا وعيه» -فاتني أن أذكر أنني من الناس الذين إذا رأوا الدم أغشي عليهم- وحتى اللحظة لم تفارقني دماء المصابين ولا الأشلاء التي اختلطت بحديد السيارات، فقد علق كل هذا بذهني في صحوي ونومي، وأقسمت بأن أدع التطفل، وإظهار بطولة ليست موجودة في الأساس.. ترك فيّ أثر هذا الحادث حالة مرضية من سماع صوت احتكاك دولاب أي سيارة بالطريق وصفيره المدوي، فأهرب كأجبن فأر مذعور لأقرب مكان يحميني.. وما استغربت له، هواية غريبة ترتبط بالسيارات، وهي ما يسمى بـ«التفحيط»، وهي أن تكون السيارة تسير بسرعة جنونية، ثم يتم سحب فرامل اليد لكي تدور حول نفسها كحبة الذرة في حلّة الفيشار، فتصدر صفيرًا ليس كصفير البلبل، وكم قرأنا عن حوادث سببتها هذه الهواية الغريبة، نتج عنها قتل أشخاص أبرياء، كانوا مجرد متطفلين فقط، أو قتل صاحب الهواية، أو تمت إصابته بعاهة مستديمة، ولا أستغرب أبدًا في أن تُفرد في صفحات جرائدنا عدة صفحات للحوادث، أو أن تخصصت جريدة بعينها للحوادث، فهي مادة دسمة وخصبة لبعض الناس، يقتاتون على الإثارة ويجدون متعة في القراءة عنها.. ولا ضير لأن متابعة الحوادث تعد أقل خطرًا من البحث عن أماكن تواجدها ومشاهدتها على الطبيعة.. وإن كانت قراءتها تبعث في النفس الغمّ والهمّ، وترسل الكوابيس أثناء النوم، لكنها أفضل من الإصابة بعاهة مستديمة، أو فقدان المرء لحياته..