أشواق حمود حسان: المرأة أكثر نجاحا في مهنتنا.. وعلاقتي بالمرضى إنسانية

بين أدواتها وموادها المختبرية تعكف أول نحاتة طبية في الدولة الإماراتية -أشواق حمود حسان- على نحت الأطراف الاصطناعية، والعيون، والأنوف، والآذان في مستشفى راشد بدبي، مانحة الأمل والتفاؤل لما يزيد على 300 شخص، مؤكدة أن الحالات المعقدة تستفز كل قدراتها ومهاراتها في إطار بحثها الدائم عن التماثل والتطابق فيما تنحت وتصنع، مشيرة إلى أن ما يربطها بكل الحالات يتعدى حدود العمل إلى العلاقات الإنسانية والأسرية، منوهة باضطرارها حبس دموعها وعزل مشاعرها كيلا ترتسم على وجهها ملامح الحزن والأسى، مما يؤثر سلبًا على نفسية المريض، مبررة ندرة العاملات في هذا الميدان عربيًّا بعدم وجود جامعات أو معاهد تدرس هذ التخصص على مستوى الشرق الأوسط، وسط صعوبة أن يبوحوا لأي دارس بأسرارها وتقنياتها، ومعها كان اللقاء.

 

كيف دخلت إلى مجال النحت الطبي؟

بعد إنهاء دراستي لإدارة الأعمال، قدمت على وظيفة إدارية في هيئة الصحة بدبي، فإذا بهم يرشدونني إلى وجود مكان شاغر في قسم العلاج الطبيعي في مستشفى راشد كمساعدة علاج طبيعي، فترددت، إلا أنني منحت نفسي فرصة للتجربة التي كانت إيجابية؛ إذْ أحببت هذا العمل؛ لأن به شقًّا إنسانيًّا، ومن ثم تعرفت على الدكتور درر أدكنز، الذي كان يعمل على الأطراف الصناعية في معمله الصغير، واستهواني الأمر، وبدأت العمل معه جزئيًّا.

وهل الموهبة الفنية وحدها تكفي؟

تعتمد هذه المهنة على ضرورة امتلاكك لرؤية ومهارة فنية في الرسم والنحت لصنع أطراف مطابقة ومماثلة وتحمل ذات شكل الطرف المستأصل أو المبتور؛ حتى لا يلاحظ الآخرون أنه اصطناعي، لكن دون أن يعني ذلك أن كل نحات أو فنان يصلح لهذه المهنة؛ إذ لابد من امتلاك المعرفة الطبية التي تمكنك من التعامل مع كل حالة على حدة بشيء من المعرفة والعلم الذي يضمن عدم وجود أي تأثيرات جانبية للعضو الاصطناعي.

 

تماثل وتطابق

وما النصيحة التي لا تزالين تذكرينها للدكتور أدكنز؟

لا ترضي عن أي قطعة أو طرف اصطناعي تقومين بعمله، بل يجب أن يكون التجويد والتميز والرغبة في التماثل والتطابق مع العضو الطبيعي للشخص هو هدفك ومرادك دومًا.

وهل يمثل ذلك تحديًّا مضاعفًا في عملك؟

بالطبع لأن كل حالة مختلفة عن الأخرى، كما تستهويني  الحالات المعقدة ذات التركيب والتشكيل الصعب، مما يجعلني أكتشف طرقًا ووسائل وأساليب جديدة على درب الاحتراف المهني.

كيف تتعاملين مع الحالات المعقدة لتضمني النجاح المهني؟

الحالات جميعًا -وخاصة المعقدة منها- يعتمد نجاحنا فيها على تعاون الأطباء من جراحي التجميل وخلافه والمريض الذي لا بد أن يبدي تعاونًا كبيرًا، سواء في تحليه بالصبر وتقبل عدد الجلسات ومدتها التي تزيد على الحالات العادية، أو في درجة اهتمامه بالعضو الاصطناعي، من ناحية تنظيفه ولبسه حتى لا يدمر العضو نتيجة للاستخدام السيئ وغير المسؤول، خاصة في حالة اليد والرجل المصنوعتين من مادة السيليكون.


التشخيص الفني

وما المراحل التي يمر بها عملك الفني؟

التشخيص الطبي هو البداية، حيثُ يأتينا المريض بتقرير طبي مفصل عن حالته وتحويل من العيادات بمستشفى راشد، لنبدأ في عمل تشخيصنا التقني والفني للحالة، ثم نقوم بعمل جلسة للقياسات يغيب بعدها المريض لمدة 3 أيام كي نعمل على تشكيل العضو الاصطناعي من مادة الشمع مبدئيًّا، ثم نجربها على المريض لنبدأ بعدها في صب القالب من مادة السيليكون في حالة الأطراف، ومن مادة الإكرلك في العيون؛ ليكون مطابقًا للعضو المفقود، ثم تأتي مرحلة التلوين والتفاصيل الدقيقة ليتناسب مع العضو الأصلي للمريض.

وما عدد الأعضاء الاصطناعية التي قمت بنحتها؟

 صنعت ما يقارب من 300 عضو من عيون وأنوف وآذان وأطراف اصطناعية لجميع الفئات العمرية، بما فيها الأطفال الذين يحتاجون لتعديل هذه الأعضاء سنويًّا نتيجة للنمو، وتكلف العين الواحدة حوالي 500 درهم نقدمها مجانًا للمواطنين وبـ300 للوافدين، وتحتاج إلى أسبوعين لإنجازها، أما كف اليد فالإصبع الواحد يقدم بـ300 درهم، ويحتاج الأمر إلى دقة وحرفية عالية لنحته، ويستغرق إنجاز اليد من 3إلى4 أسابيع.

 

خوف وإرادة

ما الصعوبات التي واجهتك في بداية عملك؟

خوفي أن يسألني أحدهم ما شهادتك الدراسية التي تؤهلك لمزاولة هذه المهنة، إلا أنني تخطيت حاليًا هذا الأمر بالخبرة والدورات التدريبية وعضويتي كأول إماراتية في الجمعية الدولية الأميركية للأطراف الاصطناعية.

وما موقف الأسرة من عملك؟

والداي تساءلا إذا ما كنت سأكمل المشوار في هذا التخصص الذي بدا غريبًا ومغايرًا لمجال دراستي وطموحاتي، أما صديقاتي فتخوفن من أن يأتي أي شخص ويقول لي بأي صفة تعملين هنا وأين شهادتك الدراسية المؤهلة لك للعمل في العلاج الطبيعي، لكنني مصرة على عكس الصورة المشرقة للفتاة الإماراتية التي دخلت كافة الميادين محققة النجاح والتميز.

وكيف تقبَّل المصابون عملك كإماراتية في هذه المهنة؟

سيطر الاستغراب على المراجعين لي في البداية؛ كوني إماراتية، مستغربين عدم خوفي أو رهبتي التي زارتني في البدايات فقط، حيثُ كنت أحمل همَّ ردة فعل المرضى ومنْ حولهم بعد تركيب العضو الاصطناعي لهم، فأظل على اتصال بهم حتى يطمئن قلبي.


الشفقة تقتلهم

وهل الجانب الإنساني يخيم على علاقتك بالمصابين؟

تربطني بكل الحالات علاقة تتعدى حدود العمل إلى علاقات إنسانية وأسرية، حيثُ إن معظم الحالات التي تأتينا تكون محطمة للغاية، حتى أن كلمات الشفقة تقتلهم، ونتيجة لتوفيري الدعم النفسي لهم والعضو الاصطناعي المناسب يطرح الأمر فيهم الأمل والتفاؤل بحياة أفضل، كما يشعرون بأنهم قد استودعوني سرًّا، مما يؤسس لعلاقة أخوة قوية، حيثُ نتزاور، وأحضر حفلات زواجهم وتفوقهم الدراسي.

وما الحالة المرضية الأكثر تأثيرًا فيك؟

من الحالات التي أثرت فيَّ امرأة فقدت عينها، وأتت لتركيب عين اصطناعية بعدما كانت عُرضة لسخرية النساء، مما جعلها في مقابلاتي الأولى معها عدوانية للغاية ومتسلطة؛ رغبة منها في إبعاد أي نظرة أو عبارة للشفقة عنها، لكنها بعد تركيبها العين إذا بها تتحول إلى قطة وديعة مسالمة ومتفائلة ومُقبلة على الحياة.

وهل يفرض عليك عملك حبس دموعك وعزل مشاعرك أمام المرضى؟

بالطبع فأنا أحبس دموعي وأعزل مشاعري؛ كيلا ترتسم على وجهي ملامح الحزن والأسى، خاصة أن مهمتي توفير الأمل والثقة والدعم النفسي، إضافة إلى العلاج للمصابين، ويضايقني في هذا الصدد تدليل الوالدين لأطفالهم المرضى، مما يجعلهم اتكاليين للغاية، والأولى بالوالدين ألا يخافا أو يغلقا الأبواب على أطفالهما، بل تركهم ينخرطون في الحياة كي يتحملوا المسؤولية.

ومتى تتهلل أساريرك فرحا؟

لا تتصور حجم سعادتي حينما يخرج المريض من عندي واثقًا في نفسه، مستقبلاً الحياة والفرح يملؤه، بعدما كان في أول زيارة لي مكسورًا محطمًا نتيجة فقدانه عضوًا ما، وأسعد ما في هذا الأمر حينما تنهال عليَّ الدعوات بالخير، على الرغم من أني لم أقدم سوى واجبي وما يمليه عليَّ ضميري.

وهل تعتقدين بأن المرأة أكثر نجاحًا في هذه المهنة؟

ربما تكون المرأة الأكثر تميزًا في هذا العمل الذي يحتاج -إضافة إلى المهارات الفنية والطبية- إلى الإحساس والشعور والتفاعل مع كل حالة على أنها فرد من أفراد أسرتك، مما يضمن لك النجاح في عملك بغض النظر عن جنسك سواء كانت ذكرًا أوأنثى.

 

الوراثة

ولماذا نجد ندرة في هذا التخصص عربيًّا؟

لعدم وجود جامعات أو معاهد تدرس هذ التخصص على مستوى الشرق الأوسط، مما يجعل منه تخصصًا نادرًا حتى في الغرب، فهناك بعض المعاهد التي تعطي دبلومًا مدته سنتان بشروط صعبة، منها أن يكون عندك خبرة تتعدى الخمس سنوات في هذا المجال علي يد أحد من المعترف بهم في المؤسسة الدولية لترميم الأعضاء بأميركا، مما جعل الوراثة تطغى على هذه المهنة، كما أن الرغبة في الربح والكسب المادي هي المحرك للعاملين بها في الغرب، مما يجعل من الصعب للغاية أن يبوحوا لأي دارس بأسرارها وتقنياتها كي يستمروا في جني الأرباح.

وهل تبدو هذه المهنة غير مربحة عربيًّا؟

لا على الإطلاق، فهي مهنة مربحة للغاية، خاصة إذا ما كنت تمتلك معملاً خاصًا بك لنحت الأعضاء الاصطناعية، لكن ما يزعجني في هذا الأمر كيف تحوَّل هذا العمل في القطاع الخاص إلى تجاري بحت؟ فالعين الاصطناعية يبيعونها في شكلها المبدئي دون أي تجهيز بما يتعدى الألفي درهم، بعدما حولوا هذه المهنة الإنسانية إلى عمل تجاري.



 

مرهفة الإحساس

وهل طبعت مهنتك شخصيتك بصفات معينة؟

مهنتي جعلتني مرهفة الإحساس، وأكثر إنصاتًا لمرضاي وقدرة على السيطرة على انفعالاتهم المختلفة في جو ملؤه البشاشة والتفاؤل الذي أعتبره منهج عمل وحياة بالنسبة لي في ظل توكلي على الله.

ولماذا تراجعت مؤخرًا عن قرار الاستقالة؟

اتخذت قرارًا بالاستقالة نتيجة رغبتي في المضي قدمًا بمشروع إنساني ما، إلا أن سماع إحدى مريضاتي لهذا الأمر، وحزنها لأني سأتركها بمفردها بعدما كنت سببًا في نحت عين لها، مما منحها الأمل والتفاؤل فأقبلت على الحياة لتتزوج وتكوِّن أسرة، جعلني أتراجع عن قراري -بعدما شعرت بأنانيتي- مفضلة البقاء مع مرضاي الذين تفتح لي دعواتهم أبواب التوفيق والنجاح على مصراعيها.

وما النصيحة التي تقدمينها للإماراتيات الراغبات في العمل بالنحت الطبي؟

أن يضعن في اعتبارهن أنها مهنة إنسانية بحتة، وأن أجرهن ينلنه من الله، وأن ينحين العامل المادي جانبًا، كما لابد أن يكون المريض هو محور اهتمامهن، فيتناسين إرهاقهن وتعبهن لأجل تقديم الخدمة الأفضل له، كما أننا بصدد تكبير المعمل مما يمثل عنصر جذب للكوادر الإماراتية الراغبة في التعلم والتدريب والعمل في هذه المهنة.