نحن بحاجة إلى بلورة مفهوم واضح للمواطنة، وأبعادها بعيدًا عن الكليشات التقليدية الجاهزة. فالمواطنة ليست مجرد شعار نرفعه في المناسبات الوطنية، كما أنها ليست مجرد كتاب أو منهج دراسي يقرؤه الطلبة والطالبات، ثم ينسونه بعد الاختبارات. المواطنة هي سلوك وفكر تساعد في بنائه كل مؤسسات الدولة الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية. ومن أهم المؤسسات الفاعلة في بناء المواطنة لدى الفرد الأسرة والمدرسة والقانون والقضاء ومؤسسات المجتمع المدني.
وما دام الإصلاح هو غايتنا فيجب علينا الاعتراف بأن المواطن هو محور تفعيل المواطنة من خلال مواقفه وسلوكياته الشخصية والرسمية؛ لذلك فإن الإستراتيجية التي تحقق هذا الهدف تتمثل في محور مهم هو خلق التوازن بين واجبات الأفراد نحو الوطن، وواجبات الوطن نحو الأفراد. فبقدر ما للوطن من حقوق على المواطن هناك أيضًا حقوق للمواطن على الوطن، ولا يمكن تحقيق الهدف الأكبر من الإصلاح، وهو بناء مجتمع متوازن متسامح بدون هذا التوازن الأساسي. ويمكننا صياغة هذا التوازن بكلمات بسيطة وواضحة تتلخص فيما يلي:
أعطني حريتي... أمنحك إخلاصي
أعطني حقوقي.... ثم طالبني بواجباتي
وتحقيق هذه الإستراتيجية في بناء المواطنة يتطلب أن يكون المواطن، خاصة الشباب، لهم الحق في إبداء آرائهم والتعبير عنها بحرية، والمشاركة بالفعل في صنع القرار بغض النظر عن الانتماءات المناطقية والقبلية والطائفية. نحن بحاجة إلى أن يكون للشباب مؤسساتهم الخاصة التي يمارسون من خلالها حقوقهم في العمل التطوعي والعمل الثقافي والاجتماعي والسياسي.
الكثير من الشباب استطاع أن يصل لأهدافه في المشاركة الفعلية في التأثير على صانع القرار من خلال المقاهي الثقافية الشبابية، وحلقات النقاش والجمعيات التطوعية الفكرية والاجتماعية والبرامج الإعلامية. ولعل من المهم الإشارة إلى برامج يوتيوب الشبابية مثل «على الطاير» و«لا يكثر» و«الساعة التاسعة إلا ربع». كما أن هناك مجموعات ثقافية تطوعية أنشأتها شابات بجهد وتمويل ذاتي استطاعت أن تجذب عددًا كبيرًا من شابات الوطن، مثل مجموعة «انتيلكت» التي تقدم برامج فكرية بإشراف وإدارة شابات سعوديات رائدات، و«أكاديمية سدرة للفكر»، والتي تشرف عليها مجموعة من الشابات السعوديات ومجموعة «شباب 4»، وغيرها الكثير من الجمعيات والمقاهي الشبابية الخلاقة.
ولنا في نماذج أعمال الشباب الرائدة مثالاً يستحق الإشادة باعتبارها تفعيلاً حقيقيًا للعمل الوطني الذي يزيد من انتماء الفرد، ويجعله يستشعر مسؤوليته في إصلاح المجتمع وتقديم الأفضل لبنائه. علينا دعم هذه الخطوات وتسهيل عملها بالتوجيه والإرشاد وليس بالمنع والمراقبة؛ كي نعزز من قيم المواطنة الحقيقية في المجتمع.