كأنني إذ أرى وجهك أشم رائحة النارنج وأستنشق عبير البرتقال.
إذ تتألق عيناكِ يمتصني الكون إلى رحلات النجوم.
إذ ألمس يديك يسري الدفء في الجمادات والحجر.
إذ تمشين حافية على البحر يلثم الودع قدميك ويتنهد الزبَد.
بك استطعت أن أقوم من مقعدي بعد جلوس دام، وعاش ألف عام.
نهضت ومشيت واتجهت نحوك، يممت وجهي إليك، خطوت مشرئبا كأن روحك تحملني.
كأنني في آخر الزمان أتأمل وجهك؛ كي يكون آخر لمحة قبل انفجار الكون.
أنتِ لا تفهمين أني أحبكِ، تهزلين لجدي، تهزئين بمرافعاتي أمام قلبكِ، تقولين:
هذا كلام يشبه الشعر وأنا لم أخلق لهذا.
لمَ خلقتِ إذن أيتها الحمقاء الجميلة؟
هل يتغذى الجمال على من يقدره ويصفه ويجعله رمزا وكنزا؟ أم على الكافيار والبنكنوت والسيارات الفارهة؟ لماذا تحبين جلد سيارتك –مهما غلا ثمنها- أكثر مما تحبين دفء قلب يحبكِ؟
هل لابد أن أمتلك حسابا ضخما في البنك، حتى أمتلك رصيدا في قلبكِ؟
ألا يكفيكِ بيتا دافئا صغيرا لكنه جميل، وقلب يحضن قلبكِ؟
ما عيب سيارة صغيرة ما دامت تؤدي الغرض؟ وما عيب قليل من النعناع وكثير من الأنس والمودة؟ ما عيب النزهة على القدمين حتى لا تتيبس عضلات الساق ويتكلس القلب؟ هل عقد الياسمين –الذي يعيش ليلة ولا يعيش ضحاها- يستحق أن يحرمه عمره القصير من الاعتراف بحسنه الفواح، الذي يفوق عقدا من ماس وزمرد؟
ولماذا أحبكِ وأنتِ لا تلتفتين إلا للماس والزمرد، ولا ترين المال إلا غاية في ذاتها، ولا تكتفين منه بما يجعل الحياة مريحة ويعطيكِ الأمان؟ لماذا أكتب فيكِ الشعر العاطفي وأسوق الصور والعبارات من مخزن الرومانسية وكهفها العتيق؟
آخر مرة رأيتكِ فيها –في الواقع لا في الشعر- وكان ذلك منذ شهور، قلتِ لي:
أيها الحالم ألن تكف؟ ماذا لو قلت لك إني أحب الشعر لكني أحب المال أكثر، أستلطفك لكني أستلطف العز والغنى والجاه أكثر؟ ماذا لو قلت لك وفّر عليك مشاوير زيارات متوقعة، وغير مرحب بها، وأرسل لي أوراقك العاشقة بالبريد، هل ستردك صراحتي إلى عقلك؟ هل من الواجب عليّ أن أطردك حتى تقتنع وتيأس من حبي؟
قلتُ إني يائس، لكن ذلك الحب أقامني من يأس أكبر، لقد وجدت الحياة قاتمة كسحاب دخان، فرحبت بالألوان أستمدها منكِ، أرسمها، وأنسبها إليكِ، وهل الوهم إلا بديل مريح للواقع؟
هكذا كانت لقاءاتنا، حتى اقتنعت وقنعت أخيرا بالبريد، كانت نصيحة حكيمة منها، فمثلي يعيش في الكلام أكثر مما يقيم في صحو الحياة، يعرف الأشياء مرسومة لا صورا فوتوغرافية، يعيد تشكيل ما يرى ليحبه أو يتحمله.
وهكذا أرسلت إليها القصيدة التي بدأت بها هذه الفضفضة، فقال لي عصفور طار من شباكها وحط على شباكي:
قرأتْها وأعجبتْها وأنشدتْها، ثم مزقتْها ورمتْها. فسبحان من خلق الجمال والحمقى، وأولج في الحقيقة الخيال، ومزج الخيال بالحقيقة فامتزجا.