الصخب

أكتبُ اليوم عن آفة تتحكّم بالحياة العصرية، ويكاد وجودها لا ينحصر في مكان بالذات، بل باتت تعمّ، وتجتاح المدن والقرى الصغيرة، وتغزو البرّ والجوّ. ومن ينشد السكينة والهدوء لم يعد يجد له مكاناً يسند إليه رأسه.

وتلك الآفة هي الضجيج.

في بعض ما طالعت منذ فترة وجيزة تقرير علمي يؤكّد بأن الشباب الذين يدمنون السهر في الأندية الليلية الصاخبة، ومطارح اللهو، يفقدون نسبة من السمع تجعل ابن العشرين عاماً يقارب من كان في العقد السادس من عمره.

قبل أيام دعيت إلى حضور حفلة نهاية السنة لأطفال صف الحضانة، وحيث لا تجاوز أعمار التلامذة السنة الثالثة. وكان لي بينهم حفيد. وبالطبع لبّيت الدعوة.

وقد اختارت المدرسة للإحتفال أحد المسارح الكبرى في العاصمة، بيروت. وكان مجهّزاً بجميع وسائل المرح والطرب. لكن ما لم أحسب له أيّ حساب هو الموسيقى.

قلت موسيقى؟!...

بل كان صخباً أين منه القصف الجوّي والبرّي في أوج المعارك الحربية. وقد دام ذلك «القصف» طوال ساعتين، هي المدّة التي استغرقها الإحتفال. وبالطبع لم نتمكن من سماع أصوات الصغار أو أناشيدهم أمام ذلك الطغيان الذي ظلّ يهزّ القاعة حتى النهاية. ولا أدري كيف كان شعور الأطفال إذ لم يعبِّروا عنه بالكلام. لكن الصغير الذي كان يتربّع في حضن أمّه بقربي، كان طوال فترة الإحتفال يتمطّى ويتثاءب، ويُحاول الإفلات لكي يخرج من القاعة. وقد دام ذلك الصراع بينه وبين أمه إلى نهاية الإحتفال.

لكن الكبار أيضاً أُصيبوا بما يشبه الصمم، ولم يصدّقوا متى انتهى الإحتفال، حتى خرجوا وهم يتلمّسون آذانهم، لكي يمسحوا عنها آثار الصخب.

أمّا ما عجبتُ له، وتابعتُ مناقشته بيني وبين نفسي، فهو كيف أن مربين، وهم مسؤولون عن تنشئة أولئك الصغار، يجهلون حقيقة بسيطة، وهي أن لتلك الضجّة تأثيراً سلبياً على الأطفال في تلك السنّ المبكرة، وليس على السمع فقط، بل وعلى الأعصاب والدماغ.

أم أنّهم يعلمون جيداً في أي مجتمع نعيش، ويريدون للصغار أن يتعوّدوا