حددت السكرتيرة موعد المقابلة المهنية في العاشرة والربع. وكنت في الثامنة والنصف أقود سيارتي وسط المدينة باتجاه الشركة التجارية الجديدة.
ليلتان وأنا أتدرب على أدق تفاصيل اللقاء المرتقب. الأسئلة التي يمكن أن تُوجه إليَّ، الإجابات الشافية الوافية، حركات الرأس واليدين، الإيماءات، الابتسامات، شكل اللباس، تصفيفة الشعر. كل شيء مهم عند هؤلاء الناس.
أسير بتأنٍّ بسيارتي، وصوبت عينيَّ على المرآة الأمامية، أراقب فيها الطريقة التي أهز بها رأسي وأرخي عضلات وجهي. يجب أن أعطي انطباعا بأنني مرتاحة وهادئة ومستعدة للقيام بكل ما يُطلب مني. يجب أن أبتعد عن النرفزة. وسّعت ابتسامتي، وحاولت أن أبعث شيئا من الدفء والإشراق في نظرة عيني، ودون أن أشعر، فغرت فمي وبقيت أحملق ثواني طويلة في السيارة التي تتبعني.
السائقة متعلقة بالمقود بشكل مريب. يداها تمسكان أدوات زينة، ورأسها منحنٍ، وعيناها معلقتان بمرآتها الأمامية.
نسير معا بطء.
تسنى لي الوقت الكافي لأفهم أنها تحاول أن تصبغ رموشها، وابتسمت بمزيج من السخرية والشفقة. امرأة أخرى مسكينة. امرأة مغلوبة على أمرها، لم تترك لها مشاغل البيت الفسحة الكافية للتزين قبل الخروج. الأولاد الذين يريدون أن يرتدوا ثيابهم ويتناولوا فطورهم ويحزموا حقائبهم، والزوج الذي ينتظر كيَّ قميصه، ومسح حذائه، وإحكام ربطة عنقه، والبيت الذي عمَّته الفوضى، والوقت الذي لا يرحم.
في النهاية، حياة النساء العاملات واحدة، والاختلافات طفيفة.
بقيت خلفي. تبعتني إلى الشارع المؤدي إلى مبنى الشركة التي أقصدها، وعنَّ لي وأنا أراقبها خاطر لم يسرني كثيرا. أتكون لديها مقابلة هي الأخرى في نفس الشركة ؟ هل تريد الحصول على الوظيفة التي أسعى إليها؟ هل هي إحدى منافساتي؟ رمقتها بارتياب. في نفس عمري تقريبا، وبثياب رسمية كثيابي، وشكل أحلى ربما. تملكتني عصبية شديدة، ونظرت أمامي للشرطي الواقف في رأس الشارع، ودون أن أفكر، قصدته وتوقفت قربه.
«سيدي... هناك سيدة خلفي، تثير بعض المشاكل».
«عفوا ؟».
« إنها تضع مساحيق زينة وهي تقود سيارتها، ستتسبب في حادثة...».
توجه الشرطي نحوها وأشار إليها لتتوقف، وانطلقت هاربة وقلبي يدق بجنون.
تخلصت منها.
صالة الانتظار التي أدخلتني إليها سكرتيرة القسم المالي واسعة وممتلئة عن آخرها بالمرشحات. شابات في عمري وأصغر. جميلات، أنيقات، متحفزات. جلست على مقعد شاغر، وفكرت في أن حظوظي للفوز بالوظيفة ضئيلة للغاية. شعرت بنفسي أكبر من عمري، وأثقل ظلا. وغرقت في مقارنات يائسة زادت من إحساسي بالضآلة والصغر.
«هل سننتظر كثيرا؟ مرت على موعدنا أربعون دقيقة !» احتجت إحدى الفتيات الممشوقات، واعتذرت السكرتيرة بتهذيب صارم، وطلبت منها أن تعود لمكانها. «ثمة ما حال دون بدء المقابلات، قليلا من الصبر من فضلكن».
عددت ست شابات تسبقنني. سخرت بعضهن من مواقيت العمل بالشركة التي تريد أن تكون رائدا في احترام قواعد المهنية، ولكنّ أيا منهن لم تغادر مكانها. كان واضحا أن الوظيفة تثير اهتمام جميع الحاضرات.
تكوَّمت على نفسي في مقعدي. فكرت في المسكينة التي تركتها في قبضة الشرطي. ماذا كان يضيرني لو تركتها تجرب حظها مثلها مثل بقية الحاضرات؟ تخيلت نقاشها الحامي مع رجل الأمن، وتنهدت بكثير من الامتعاض.
«مرحبا مدام » قالت السكرتيرة بغتة، وقامت تسبق سيدة تتأرجح على كعب عالٍ وتحمل محفظة أوراق ثقيلة، وتفتح لها باب مكتب رئيس القسم.
«تأخرت» شرحت المرأة بانفعال دون أن تكترث لآذاننا المصوبة نحوها «أوقفني رجل شرطة. إحداهن تطوعت لتبلغه بأنني أهدد أمن الطريق بسبب انشغالي بوضع مساحيق الزينة أثناء السياقة. فاعلة الخير هذه لم تتوقف عن الحملقة في مرآتها والابتسام لنفسها، وكأنها تتدرب على فاصل إشهاري...».
التفتت المديرة إلينا وتوقفت نظراتها المستطلعة عندي.
صبغة الرموش التي لم تُحسن وضعها سالت على زاوية جفنها وتحت عينيها. وبدا منظرها غير جدي. زمَّت شفتيها بغيظ واضح. وفهمت بأنني أضعت الوظيفة