لا يبالغ القلم إذا قال إن أكثر كلمة تقولها الألسنة، وترددها الأفواه، هي
كلمة «بَسْ»!
إنها داخلة بلغة الناس اليومية، وأهازيجهم الغنائية، وهذا ليس بمستغرب، بل المستغرب أن تدخل في الخطاب الإداري، وإليكم القضية..
حدثنا أبو سفيان العاصي أنه سمع أحدهم يسرد قصة مفادها أن أحد مدراء الإدارة أحب أن يقيم وليمة لأحد الزائرين، وكتب إلى المختصين، فرفعوا إليه خطابًا يعتمد
بموجبه شراء خراف من الكباش المليحة!
نظر المدير إلى الخطاب، فاستنكر هذا العدد، فكتب في آخر الخطاب قائلاً ما نصه:
(خروفان وبس).
لم ينصرف الذهن إلى «بَسْ» هنا بمعنى «كفى»، كما أراد المدير، بل اجتهد العاملون
معه وظنوا أنها «بِس بمعنى قط»، ولم يكن منهم إلا أن ذبحوا وطبخوا الخروفين والـ«بِس»،
وقبل أن يحين وقت الأكل، اكتشف المدير الأمر ووبخهم على هذا، ومرت الأمور بسلام،
وهذه إحدى مساوئ اللغة الصامتة التي تأتي عبر الورق؛ إذ كل واحد يفهمها بشكل!
حسنًا لنعد إلى كلمة «بس»، فمن غير اللائق أن تكون أكثر كلمة متداولة، ولا يعرف
الناس عن أصلها وفصلها شيئًا، وكأنها بنت شوارع!!
لنسأل عن نسبها وتربيتها، ويأتي الجواب -كالعادة- من العلامة اللغوي أحمد
الغزاوي، حين يقول في «بس»: (كنت أظنها فارسية، دخيلة، فوجدتها مما نص عليه
الفيروز آبادي فقال:
«بس بمعنى حسب»! وهي نفسها «كفى»!
ومن الغريب أن الغزاوي أبدع في التوغل في معنى «بس»، فقال: بس/ هي ذات مدلول
مناقض أو مختلف عندما تخاطب به «الناقة»، حين يستلطف بها، بأن يُقال لها
«بس.. بس» تسكينًا لها! وهنا يحضرني تساؤل آخر، وهو: لماذا يطلق على الهرّ
والهرّة: البِس والبِسة بكسر الباء؟ وبنفس الكلمة يدعيان.. ويطردان، وكأنما هي من
الأضداد؟!
وفي اللغة نص على أن (بس.. بس) دعاء للغنم.. لا للقطط! وما لم يقله الغزاوي
قالته إحدى الزميلات؛ إن هذه الكلمة قد جاء بها الفراعنة حينما أراد الواحد منهم
لفت انتباه القطة، فيقول (بس بس)، وعندما يريد إبعادها عنه يشير لها بـ (بسسسس)، ولذلك اعتمدت هذه الإشارة على القطط عندهم دون سواها، فسميت بالبِسة والبِس!
هذا ما كان من أمر «بس»، فهل نحن المبسبسون الذين يقولون «بَس» بمعنى كفى! أم من أولئك المبسبسين الذين يذبحون «البساس» كما فهم صاحبنا الحريف الذكي؟!
حسنا، ماذا بقي؟
بقي القول: ماذا عن المرأة القطة التي تستخدم الأظافر للدفاع عن نفسها؟ أظن من الأفضل أن أتركها للقراء والقارئات، فهم أعلم بالقطط وما لديها من مخالب وخرمشات