النصيب

كنت أعيش مع زوجي حياة سعيدة، فهو يحبني بصدق، وأنا أحبه بكل جوارحي، ومر العام الأول دون أن يرزقنا الله بطفل، وبعد مشاورات ومفاهمات قررنا الذهاب للطبيب، وبعد عدة زيارات، وإجراء العديد من الفحوصات والتحاليل، فوجئنا بالنتيجة، حيث أخبرنا الطبيب أن زوجي لا يمكنه الإنجاب، صدمتنا المفاجأة، وتعبنا نفسيًا، وبدأت الحياة بعدها تسير بصورة مملة ورتيبة، حتى خارت مقاومتي نتيجة رغبتي في الإنجاب، فغريزة الأمومة تضغط عليّ، فكم تمنيت أن يكون لي طفل من زوجي الحبيب، لأضمه إلى قلبي، وأحتضنه داخل صدري، فوجود طفل في المنزل ليس شيئًا عاديًا، وإنما حياة أخرى، يكفي أن أراه يضحك، لتدب الحياة في أعماقي، وأحس بأن هناك قطعة مني، تحمل صفاتي وملامحي وفصيلة دمي، وأتخيل نفسي عندما أسمعه يبدأ بالكلام، فتكون «ماما» أول كلمة ينطقها.. فأمنية حياتي أن أصبح في يوم ما أمًا.

بحثنا عن العلاج في كل مكان، ولكن بلا جدوى، وترددت كثيرًا قبل أن أصارح زوجي برغبتي في تحقيق أمنيتي قبل أن يفوت الأوان، وطلبت منه الطلاق، ولكنه من شدة حبه لي، ظل متمسكًا بي، وحاول إقناعي بشتى الطرق، بأن الأطفال هبة من الله، ولا بد أن نقنع بما قسمه لنا، وأن نرضى عن حياتنا، خاصة أنها حياة سعيدة يغلِّفها الحب والتفاهم والإخلاص، لكني كنت مصرة على الطلاق، ليس كرهًا فيه، ولكن حبًا وشغفا في تحقيق أمومتي، وكم حز في نفسي عندما رأيت دموعه وهي تنساب من عينيه عندما حانت لحظة الفراق.

 أعرف بأني كنت قاسية، فهو يحبني، وأنا أيضًا أحبه، لكني كنت أريد أطفالاً بأي ثمن، وحاولت بعدها أن أنسى تلك الفترة من حياتي، وأن أطوي صفحاتها لكي أتمكن من البدء في حياة جديدة، أرسم فيها أحلامي وأحقق هدفي وأمارس أمومتي، وتزوجت بعد عام من طلاقي، وأنجبت طفلة رائعة، وأصبحت –أخيرًا- أمًا، كما كنت أتمنى، لكني فقدت بالفعل رجلاً، كان يحبني ويحترمني ويقدرني ويخاف عليّ، فقد رزقني الله بدلاً عن ذلك الزوج الرائع بزوج سلبي، ليس لديه قدرة على اتخاذ أي قرار، كان يتملكه التردد من الكلام أمام الآخرين أو محادثتهم، ليس لديه قدرة على التحكم في عواطفه، بل ينجرف وراءها دون معرفة بعواقبها، إنسان ليس له شخصية واضحة، فهو يتبع الأقوى في الرأي والفكر، كثير الشكوى واللجوء لمن حوله، حتى في أبسط الأمور، دائمًا ما نختلف، خاصة عندما يطلب مني تقليد الأخريات، لأصبح نسخة منهن، حتى في حركاتهن ولباسهن وهيئاتهن، بل حتى في آرائهن وأخلاقهن، وأظل طوال وقتي، وأنا أحاول منع سفينتي من الغرق، وحماية حياتي من الانهيار، حتى لا تتشتت طفلتي وينتابني الشعور بالندم، وبأن الله سبحانه وتعالى قد عاقبني بسبب اعتراضي على حكمته، وتفريطي في إنسان رائع، وأفكر لو عاد بي الزمن إلى الوراء، لكنت فضلت أن أعيش السعادة مع من يحبني وأحبه، حتى بدون أطفال، ولكنه النصيب، وعليّ أن أرضى بقضاء الله وقدره، وأن أتحمل نتيجة قراري واختياري.

 

أنين الحياة

هل تذكرين الأمس.. توسلت... عينان من فرط الجوى... بين التولّهِ والذهول.. لما دوى صوت النوى... وكأنه صوت الردى... حان الرحيل وسمعت صوتك كالغريق... نادى لينقذه غريق... هل نبتعد؟ وبُهت من هولِ السؤال... ورأيت أن الكون طيرٌ يرتعد... ومضى يبعثرنا الطريق... وتعثرت قدمي على دربِ الشجون... وعرفتُ أني لا محالةَ سائرٌ نحو المنون... ولمحتُ أسرابَ المحال.. في الأفقِ تصرخُ بالمآل..لا بد يومًا نبتعد.

 

د.عبد العزيز محيي الدين خوجة

 

  [email protected]

للتفاعل مع الكاتبة