يعتبر بعض النقّاد والباحثين في المجال الأدبي أننا نعيش في زمن الرواية بامتياز، ويُهملون القصّة القصيرة... ولماذا؟
>>>
طرحتْ عليّ السؤالَ إحدى الباحثات، لكوني مارست كتابة النوعين. ووجدتني أمضي في التنقيب عن صحّة هذا الافتراض، ثم عن الأسباب؛ وهل حقاً أهمل النقّاد، كما القرّاء القصّة القصيرة كي ينصبَّ تركيزهم على الرواية؟ وما هو السبب أو الأسباب؟
>>>
تأتي مقاربتي هذا الموضوع واهتمامي به من ممارستي الكتابة في المجالين. وكان اهتمام النقّاد والقرّاء، يركّز، دائماً، على الرواية، ويتجاهل القصة القصيرة، حتى ولو كانت كلتاهما من منبت واحد، وما يدفعني إلى كتابة كل منهما هو الشغف ذاته والحرارة.
>>>
وأنا أتحدّث دائماً عن تجربتي وخبرتي؛ فالرواية تكمن أحياناً، في الوعي أو اللاوعي، سنين عدّة، إلى أن يتمّ نضجها فتخرج إلى العلن.
ولا يكون ذلك الخروج بومضة أو رفّة جفن، بل يحتاج إلى إعداد وتصميم. ويشبهُ إلى حدّ بعيد، عمل المعمار الذي يجمع عناصر البناء اللازمة لعمارته، ثم ينكبّ على وضع التصميم؛ ومثل أيِّ مهندس، يبتكر الشكل ونوعية المواد اللازمة.
لكن، وبعد مباشرة الكتابة، ينسى التصميم وما خطّطَ، وينطلق على السجية، مستسلماً لنزوة الإبداع.
بينما تولد القصة من ومضة أو خاطرة تفجّر ما ترسّب في الذاكرة والوعي من أحداث أو صور.
>>>
ثمة عنصرٌ آخر له رأيه في الموضوع، وهو المترجم.
وقد ازدادت نسبة الترجمة في السنوات الأخيرة، كما يلاحظ أن معظم المترجمين يختارون الرواية؛ حتى أن مترجماً واحداً قام، في السنوات الأخيرة، بترجمة ما يزيد على خمسين عملاً روائياً من أدبنا الحديث، إلى اللغة الألمانية، وهو الدكتور هارتموت فندرش.
>>>
أما سببُ تفضيل الرواية على القصة في الترجمة فيوضحه أحد الذين يتعاطون الترجمة بقوله: إن الرواية تقدّم صورة مكتملة للمجتمع، وحياة الناس، وهذا ما ينشده القارئ الأجنبي لتلك الترجمة، في حين تكتفي القصّة القصيرة بعرض حالة منفردة للإنسان في ذلك المجتمع.