بعد سنوات من العمل المتواصل تمكن الموظف المطحون طيلة حياته آدم« من الحصول على أجازه قصيرة للغاية، وراح يُخطط مع أسرته لرحلة للاستجمام في أجازته القصيرة، ولكن نهض من نومه في يومه الأول على سيل من المكالمات التي لم يردّ عليها« على هاتفه المحمول الذي ثبَّته على الوضع «الصامت» منعًا للإزعاج وتجنبًا لقلق المضايقين من المراجعين التي لا تنتهي طلباتهم، فلم يرغب في معرفة مصدر المكالمات، وبالمصادفة في ليل ذلك اليوم وبالتفتيش في هاتفه النقال وجد معظم المكالمات من مديره المباشر، وبوازع الاحترام والزمالة اتصل الرجل بمديره للاطمئنان، فإذا بالمدير يعتذر منه ويبلغه بضرورة قطع الأجازة والعودة للعمل باكر للأهمية.! برغم حصوله على أيام أجازته بالكاد عندما تيسرت الظروف، ونزولاً لرغبة المدير راح الرجل لمقر المنشأة التي يعمل بها منذ أكثر من عقد ونصف العقد من الزمن الطويل، وفاجأه مديره بلجنة تفتيش وتحقيق مفاجئ على مستنداته وإجراءاته وعمله، و....، بالطبع المراجعة والتفتيش مهمان في سائر المنشآت، بل مطلوبان للاطمئنان على سير الإجراءات والأعمال، ولكن ماذا لو أن التفتيش والمراجعة يتمان داخليًّا بواسطة جهات داخلية، وخارجيًّا من قِبَل مكاتب عالمية؟! وتتم بصفة سنوية ونصف سنوية؟ فإذا لم يرض الموظف بالأمر الواقع ويقطع أجازته التي لم يحصل حتى على أجزاء منها في سنوات ماضية بسبب ظروف عمله بالمنشأة التي يفتح منه بيته، ربما ستخرج عليه الشائعات وسيقال إن وراءه أشياء وأشياء، وربما «ضرب» ضربته ونفذ!
جلس الرجل بمكتبه يُعيد حساباته ويراجع مستنداته استعدادا للتفتيش.. وإذا به يفاجأ بخطاب رسمي يوجه إليه من رئيس أعلى، معين حديثًا يتهم الموظف الذي أفنى سنوات من عمره في خدمة المنشأة في أمانته ونزاهته وغيره، وبلا وجه حق! انزعج الموظف ولم يتمالك نفسه وراح يستقصي ويستفسر، قيل له أو نُصحَ أنه من الأفضل ألا يفعل شيئًا، وأن يستعمل أسلوب اللين، ويرضى بأي تفتيش أو مراجعة من قبل لجان مختلفة، وأُبلغ من المقربين أن هناك أكثر من خمسين موظفا يجري تصفيتهم! بغرض تقليص المصاريف والنفقات.. مصاريف وتكاليف ماذا؟ والمُعينون جددٌ تباعًا بالمنشأة رواتبهم ضعفان وثلاثة أضعاف رواتب القدامى، الذين أفنوا حياتهم في أعمالهم وهم راضون، فبعض المؤسسات أحيانا كثيرة تقدر ذوي الخبرة، الذين فضلوا المكوث في أعمالهم وتقدم لهم خدمة العمر، وتصفيهم قبل أوانهم بدلاً أن يتوفاهم المولى وهم ساهرون في أعمالهم! جلس الموظف بمكتبه حزينًا وأحس أنه يعيش كابوسا، وهاتفته زوجته للتعجيل بعودته للذهاب للرحلة الخلوية التي خططا لها ليلة البارحة.. وأجابها معتذرًا أنتظر لجنة تحقيق وتفتيش، ومازحته الزوجة.. تفتيش أظافر أم ماذا؟! فصارت الزوجة هي الأخرى غير مُصدقة ما سمعته من زوجها، واعتقدته يمازحها، فعهدها به تفانيه في عمله وتفضيله المنشأة حتى على بيته وأبنائه، وتذكرت معاناتها في أيام ولادتها لأطفالها ومرض أطفالها، ووجودها وحيدة، بينما زوجها ساهر في عمله، ويقنعها أنه عمل ومسؤولية، التزم الموظف بعمله التزام الجندي في المعركة، فيأتي لعمله مع أول ضوء، ولا يبرح مكتبه إلا آخر المنصرفين، فخلفه أطفال يحتاجون للإعاشة، حتى وقت المدارس لايخرج لإحضار أبنائه من مدارسهم خوفًا من أي عواقب أخرى، ويوميا يتطفل على أحد زملائه، ويرجوه إحضار فلذات أكباده، في مرحلة الدراسة الابتدائية، وفي صباح أول يوم من كل أسبوع كان مدرسونا يمرون علينا ويفتشون على أظافرنا، ومن أظافره طويلة أو غير نظيفة ومَنْ ملابسه غير مكوية ومن شعره غير ممشط، وكانت تلك لحظات رعب وفزع لكل طفل وتلميذ في مختلف المراحل، فسائر الأطفال الذين نسوا أظافرهم أو ملابسهم أو غيره يحاولون الاختباء، ويتمنون لو أن تنشق الأرض ليختبئوا فيها! فكان عقاب ذي الأظافر الطويلة وغير النظيفه وغير المهندم في ملابسه هو المدُّ بالعصا أو «الزخمة» على ظهر كف اليد في برد الشتاء القارس وبلا رحمة! ومع أنه كان عقابًا مُرعبًا وعادات مُخيفة من قِبَل الأساتذة، إلا أن المربين كانوا يقنعون النشء بأن نظافة الأظافر مهمة للغاية، وتستحق ذلك العقاب وأكثر! فمسؤولو بعض المنشآت والمؤسسات يجددون عادات التفتيش على الأظافر «بالتقليم» المباشر، وهو أفضل من القصّ وأخف وطأة من عادات أخرى أشد عقابًا كـ «نتف» الريش أو الجلد.