ثقافتي من المشي تطربني وأنتشي..!

المشي من أقدم الرياضات التي عرفها الإنسان، ومن يراجع كتب التراث يجدها حافلة بالتواصي بالمشي، ولعل أقربها إلى الذاكرة وصية طبيب «الحَجَّاج بن يوسف» عندما قال له: «إذا تعشيت فامشِ ولو على شوك»، أو كما يقول العرب: «من تعشى فليتمشَ»!

كما أن العرب تحث على «دوام المشي» من خلال المثل المشهور القائل: «من ترك المشي تركه المشي»، ولن أتحدث عن المشي وأنواعه، فله أنواع كثيرة مثل: مشية الدلال، ومشية الحزين، ومشية الغربلة، وآخرها مشية عارضة الأزياء التي تسمى «Cat Walk»!

و«أحمد العرفج» يعتبر نفسه من «المشَّائين بغير نميم»، بحيث ينفق من وقته كل يوم ما بين ساعتين إلى ثلاث، وإن كان لا يظهر على «خديه المربربين»؛ لذا ابتكر الرجل طريقة للاستفادة من هذا الوقت، الذي يسميه الإنجليز «الوقت الميت»!

فمثلاً في بريطانيا، بدلا من التحديق في الوجوه، والتطفل على أجساد الآخرين والأخريات بالنظر إليها، أخذ «الرجل» يقرأ كتبًا بأذنه عبر سماعها؛ لأن المعرفة في مغامرتها الفكرية الأولى كانت «شفاهية لسانية تأتي عبر التلقي»!

أما في جدة، فـ«أحمد» يتعهد نفسه يوميًا بالمشي؛ على حدود «مقبرة الفيصلية»، بأن «كل نفس ذائقة الموت».. ولا تنس أن الشاعر«أدونيس» يقول: «لأنني أمشي أدركني نعشي»!

وفي بريدة تبدو الأماكن كثيرة؛ لأن «المدن النجدية» مدن صامتة، ليس فيها إلا شوارع كبيرة، وسيارات مسرعة، وهدوء قاتل!

حسنًا، سأروي تجربتي -الجديرة بالاحترام- مع القراءة المسموعة، فأقول: بدأت منذ سنوات بتأسيس «مكتبة سمعية» مثل المكفوفين، وجمعت تقريبًا أكثر من ألف عنوان من أجمل الكتب القيمة، الناطقة بالعربية والإنجليزية، وبدأت أزيدها كل عام، حتى تاريخ كتابة هذا المقال!

وكل ما أفعله، هو تحويل صيغ الكتب إلى صيغة «MP3»، وأحشوها داخل «I Pod» وأبدأ بالسماع.. ولك أن تتخيل أنك تقرأ -أو بالأصح تسمع- في الساعة قرابة 100 صفحة، والجميل أنك تستفيد فائدة «ثلاثية الأبعاد»، بحيث أولاً تستغل الوقت «الميت»، ثانيا: تستفيد من فحوى الكتاب، وأخيرًا: تتعلم تقويم اللسان؛ عبر سماع الكلمات في صيغتها الصحيحة!

أتذكر أنني قرأت كتاب «نهج البلاغة» لعلي بن أبي طالب، وكتابَيْ «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح»، و«روضة المحبين ونزهة المشتاقين» لابن قيم الجوزية، كما أتذكر أنني قرأت قبل سنين كتاب «السر»، وسمعته عشرات المرات... و كنت في الماضي أستجدي عَمرًا، وأرجو زيدًا ليمشي معي، أما الآن، فأنا أتضايق عندما يطلب أحدهما المشي معي؛ لأنه سيحرمني من «متعة الاستماع إلى عقول الكبار»، خاصة وأن الشاعر الإسباني الكبير «أنطونيو ماتشادو» يقول: «ما من طريق يا رفيقي، ما من طريق.. الطرق يصنعها المشي!»، ولذلك أنا أمشي!