الموسيقى نوع من التصدع المنتظم لمادة القلب في شحنات كهربية ملونة. الموسيقى صورة قلبي. كما أن الطاقة صورة من صور المادة. وكما أن كهرباء الحب صورة من صور مادة خلايا المخ. هذه التأملات الرومانسية العلمية هي الشيء حين يكون عكسه ونفسه في الوقت نفسه. (وها قد أدخلنا الفلسفة أيضًا).
أرجوكِ قبل أن تتعجبي أن تتأملي المسألة لمدة نصف دقيقة. نصف دقيقة فقط من الفلسفة لا تفسد الشهية، ولا تؤثر على جمال البشرة. وقليل من الجنون في النظر إلى الأشياء ربما كان عين العقل، خصوصًا حين لا يتعارض مع الحقائق العلمية.
وعلميًا أنا وأنت -مع احترامي وإعجابي بجمالك الفتان- مخان: مخ جالس في مواجهة مخ. صحيح مخ جالس خلف وجه جميل جدًا وشعر مسبسب جدًا بينما الآخر -يا ولداه- يجلس خلف وجه شيخوخ، وتحت ذكرى شعر مرحوم، لكن علميًا نحن نوجد في أمخاخنا: عقلنا، وعيوننا، وروحنا إلخ إلخ. إذاً لا تغتاظي كثيرًا من فضلك إذا ذكّرتك أنا بهذا المعنى -وعلميًا لا تنسي.. علميًا فقط- نسخة طبق الأصل، فولة وانفلقت نصفين!
طبعًا هناك بعض الاختلاف: حجم المخ، قدر عمق التجاعيد والتلافيف فيه، لكن القبح –أقصد الملامح- يكاد يكون واحدًا.
لا تزعلي من فضلك أيتها الحسناء المشهود لها بالحسن، فأنا أمزح مزاحًا علميًا فلسفيًا ليس أكثر. وأنا في النهاية أتكلم عن حيوان بحري هلامي أبيض يكمن خلف جبهتك الجميلة وقورتي المكرمشة. ما علينا! لننتقل إلى موضوع آخر، على شرط أن يكون علميًا وفلسفيًا ورومانسيًا أيضًا!
نعم يعود مرجوعنا للموسيقى.. والحب، لا مانع. يا سيدتي العزيزة، من غير لف ولا دوران، النعمة التي أعطاناها الله. [هذا الهلام الأبيض الذي يتكون اسمه من حرفين.. حزَّري] يعمل بطريقة بسيطة جدًا، ومعقدة للغاية، وإعجازية إلى درجة لا يصدقها عقل.
تصوري الموسيقى مثلاً هي نتاج الآتي:
مجموعة خلايا مخية ذات تخصصات متنوعة متصلة بمراكز مبدعة وغير مبدعة بالقشرة الرمادية للمخ، كل هذه الأشياء عبارة عن مواد كيميائية تؤدي تفاعلاتها إلى تولد شحنات كهربائية ينتج عنها الإحساس والإدراك والإبداع، فنحس بالحب وندرك المحبوب ونبدع الموسيقى مثلاً، وهناك آلاف الأمثلة.
فحين أقول إذاً أنت مخك أنا أتغزل فيك. أو بالأصح، أتغزل في روعة خالقك. في مبدع كل هذا. يا ألله. لن أقول وردة. إن خلية واحدة.. إن خلية واحدة حقيرة من خلايا الجسم (خلية بين ملايين الخلايا التي تشكل الأمعاء الغليظة مثلاً).. معجزة.. حبة الرمل معجزة.. يا إلهي.. كل هذا الجمال ونحن ننسى. انشغالنا في تفاهات كل يوم يجعلنا ننسى.
لا تقولي أمرك اليوم عجيب. فأنا أمري في كل يوم عجيب. أحب أن أتأمل ماذا أفعل؟ يا لها من موسيقى. شروق الشمس وغروبها موسيقى. إنه إيقاع مثل صفقات الأيدي.. يتكرر على امتداد آلاف ملايين السنين.
أنت موسيقى.. حركاتك.. التوافق المذهل والتكامل والتناغم ما بين الخطو وحركات الذراعين والأيدي والأنامل، حتى رمش العين وهمس الشفتين وهفهفة الثوب والشعر.
الموسيقى الراقية ترقي أخلاقنا؛ لأنها تربيها على الجمال، والأخلاق نوع من الجمال؛ لأنها تقوم على الخير، وما الخير إلا الجمال الأخلاقي، تمامًا كما أن الفلسفة هي الجمال الفكري، وخذي من هذا كثيرًا، والخلاصة أن الحق والخير والجمال ليست في النهاية مباحث الفلسفة الثلاثة، بل هي الثلاثة مبحث واحد؛ لأن الحق والخير والجمال واحد... وكل هذا مرجعه إلى أن الله واحد.