«حين انتهت شهرزاد من حكاياتها، أخذها نوم عميق عميق، بعد ليالٍ ألف وواحدة، سهرتها حتى الفجر، تطفئ شهوة الدم عند طاغية طفل، عشق حواديتها ثم عشقها. كان شهريار -الذي روضته شهرزاد وثقّفته- قد امتلأ برحيق عطر الليالي، فاشتاق للبوح والحكي، وأن يرد الجميل لشهرزاد، فيحكي لها من وحي حكمتها، وأن تستمع إليه أستاذته المحبوبة، ليرى في عينيها إن كان شاطرًا أم بليدًا. لكن شهرزاد، بعد تعب ألف ليلة وليلة، تنام الآن بوجه مبتسم، بعد أن أدّت رسالتها، وأنقذت بنات جنسها من سيف مسرور، فلم يجد شهريار المحتشد بالكلام أمامه من سبيل غير أن يحكي همسًا في أذن النائمة»:
حكاية الفراشة الصفراء
يُحكى أن فراشة صفراء حطت على شوك، فامتلأت عطرًا، فانتشت فطارت تتطوح في الهواء.
يُحكى أن فراشة صفراء ذات نقوش سود عرفت أين الزهر في حديقة العالم، فحطت على يدك، فتأملتها أنت مبتسمة، وبسطت لها راحة يدك، حيثُ غاصت في بحر الفل، وسقطت في حجرك نائمة الجناحين في غيبوبة من عطر.
حكاية الحكايات
يُحكى يا شهرزاد، أن كل الحكايات جاءت تطرق بابكم ذات مساء، وأنت بعد طفلة في العاشرة.
فتقدم منك ديك الصباح وانحنى في إجلال، ثم اعتدل قائلاً:
- مولاتي، نحن جئناك بناءً على طلب من لا يُرد له طلب، وأوصينا بأن نملأ قلبك الصغير بالهناء والطرب، ستنامين الليلة ككل ليلة، فإذا استيقظت صباح الغد، حين أصيح أنا، ستصير في عقلك حواديت تُحكى في ألف ليلة، ستكون طوع يدك، تستدعينها بطرف أناملك، أما أنا –ديك الصباح- فمُكلّف بأن أصيح في آخر كل ليلة؛ لتعرفي متى عليك أن تتوقفي.
كل هذا قاله ديك الصباح، وكنتِ نائمة يا حبيبتي كما تنامين الآن، مفترَّة الثغر عن بسمة وادعة.
أنا وأنت
أنت نائمة لكن قلبك صاحٍ، تسمعين خفق قلبي في إيقاع الكلمات، تنصتين لمناجاتي، وتعطين حكاياتي درجة من عشرة.
أنا لست حكّاءً بارعًا مثلك، لكن قلبي ممتلئ حتى الحافة بشهد كلماتك.
أنا ببساطة أريد أن أتكلم.
أكلمك عني وعنك.
أحكي لك حكايتنا مرة أخرى: كيف كنت سكران من غضبي ممتلئًا بكرامتي الجريحة، كافرًا بكل المعاني الطيبة، بانيًا عقيدة الكره والغل والمقت على خيانة امرأة، امرأة صبغت في عيني كل النساء بلونها الفاضح.
وأنت -بفروسية أنثوية- جئت فداء لعذارى مملكتي اللاتي كانت رؤوسهن تسقط عند منتصف ليلة بعد ليلة، ولم يكن جمال حكاياتك الذي أسكرني، بل جمالك أنت: جمال عقلك وروحك المرتسم في حكاياك.
لقد تعلمت من خلال حكاياتك، مِن سهرنا حتى الفجر كل ليلة أن أكونك، كما أنت كائنة في حكاياتك.
ولما صرتِ أنت أنا، صرت رقيقًا وحكيمًا وعاشقًا للحكي مثلك.
لكن طال نومك يا شهرزاد، هلا استيقظت قليلاً، لن أسألك أن تحكي، فقط أراك، أوحشتني عيناك، وبسمة عينيك يا شهرزاد.
وأدرك شهريار الصباح..
فسكت عن الكلام المباح..
للتفاعل مع الكاتب [email protected]