قالت: بلغتُ السادسة عشرة ولم أجد حتى الآن نفسي، ولا أدري هل أنا إنسانة طيّبة أم سيئة أو تافهة؟ ليس لديَّ أي طموح، وخجولة جدا، ليس لديّ قدرة للإجابة حتى عن أبسط الأسئلة الموجّهة لي، وأشعر فجأة بأنه ليس لي دور في الحياة، فلماذا أنا أعيش؟ وما أهمية الدنيا بالنسبة لي؟.. لا شيء، حياتي فارغة وعالمي محدود، وأشك في حب كل منْ حولي لي، حتى أهلي أشعر أنهم مجبرون على حبي لأنني ابنتهم فقط!
حقيقة احترت في الإجابة عنها، لكن ما الذي يوصل شابة في مقتبل العمر للشعور بهذه الأحاسيس، عزيزتي أنت في نظري إنسانة شجاعة، ويكفي أنك وضعت نفسك أمام مرآة الصدق والصراحة، وهناك الكثير ممن هم في نفس سنك وأكبر منك يشعرون بهذا الشعور، لكن ليس لديهم القدرة ولا يمتلكون الشجاعة التي امتلكتِها أنت، وما يحزّ في نفسي أنك تصفين نفسك بصفات سلبية وترسلين لها رسالات محبطة، وبالتالي ستكونين دومًا غير راضية طالما صدقت عقلك الباطني، لكن دائمًا وجّهي لنفسك رسائل إيجابية، وتذكّري أن لكل منا نقطة ضعف، فلا نضغط عليها ولا نستثيرها، بل على العكس نحاول أن نعالجها أو نتجاهلها حتى لا تتسع وتتعمق أكثر وأكثر فينا، فترفّقي بنفسك ولا تُطلقي الأحكام عليها، فأنت مازلت في بداية طريقك، ومازال الطريق أمامك طويلاً لتكتشفي منْ حولك، وقبلها نفسك وشخصيتك، فأخرِجي نفسك من الدائرة المظلمة التي أدخلت نفسك فيها، فأنت الوحيدة القادرة على إسعاد نفسك، والسعادة لا تنبع إلا من الداخل ولن تأتيك من الخارج أبدا، وأنت يا عزيزتي بالتأكيد تملكين العديد من الصفات الجميلة التي لا تشعرين بها، فكوني عادلة مع نفسك، تقبَّليها بكل إيجابياتها وسلبياتها، تقبَّلي نفسك بحسناتك وعيوبك، فأهم شيء لتعديل وتقويم السلوك هو الاعتراف بوجوده، وهناك الكثير مع الأسف منْ لا يرى عيوبه، وأنت أنجزت خطوة جبارة ومشيت نصف الطريق، والتحدي الحقيقي أن تستخدمي نِعَم الله التي وهبك، ومن أهمها العقل لكي تواجهي نفسك ومنْ حولك وتطوري ذاتك للأفضل، ومما زاد من إحساسك بالغربة الداخلية بالتأكيد هو الفراغ، فليس لك اهتمامات معينة، وأنت تمتلكين طاقة كبيرة ورغبة في إنجاز مميز، فاسألي نفسك عما تحبين، وضعي خطوطًا لحياتك، فلا يمكن للإنسان أن يحيا حياة كريمة وطبيعية وسعيدة من دون أن تكون لديه أهداف يسعى ويجاهد لكي يحققها، فما الذي تجيدينه؟ وما الذي تتمنين تعلمه ومعرفته؟ ولا ينتابك الإحباط الذي تعيشين فيه وتوهمين نفسك بأنه ليس لديك أي ميزة، بالتأكيد أنك تمتلكين على الأقل ميزة واحدة تمكنك من إنجاز شيء مهم، ولا تتوتري ولا تنعزلي ولا تعيشي القلق وثقي في نفسك وفي قدراتك، فما تعتقدين أنه سلبي قد يتحوّل بإرادتك إلى صفة إيجابية، وردّدي دومًا وتذكري قول الله تعالى: (إن الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم)، فأحبي نفسك وصادقيها وصاحبيها وصالحيها وانتقديها بموضوعية وحب، ودرِّبيها على قبول قدراتك المدفونة، واستثمري طاقاتك المحبطة، وستذهلين من حجم عطائك الذي منحه لك خالقك.
أنين الحياة
«إن حياتنا ليست وهمًا.. ليست سرابًا، هي لحظات خاطفة في مساحات الخلود؛ أرواح تلتقي وتفترق مع مرور الزمن، لكنها تظل ملكنا، فرصة من الخالق لكي نكون، نجرب، نحاول، نقع ونقف ثانية راسمين بذلك ذكريات يمكن بإرادتنا أن نجعلها جنة أو جحيمًا».
د.ميسون الدخيل