رويدا فتاة رقيقة، تذوب حياءً وخجلاً، على الأقل من الغريب، إلا أنها ما إن تطمئن إليك حتى تتوقد حيوية، وتتفجر أنوثة وشقاوة وخفة دم.
تخرجت للتو في الثانوية، وتقدمت للجامعة في جدة، عندما تقدم لها ابن عمها، لم تكن تطيقه، لكن أباها، رغم تعليمه العالي في الغرب، لم يشأ، أو يجرؤ على كسر عرف عائلي، أو أن يُغضب أخاه الكبير.
لم تكن رويدا تتقبل ذلك الشاب، فقد كان ضعيف الشخصية، قليل التعليم، خرج من المدرسة قبل أن يتم الثانوية، بسيط الثقافة، التي لا تتعدى الرياضة الكروية، لا «يتحمم» إلا في المناسبات، ولا يغير ثوبه إلا كل أسبوع، ولا يعرف الصابون، والعطر إلا في العيدين، وحتى عندما «نظف» مرة من أجلها، جاءها بقدمين غارقتين في الطين.
حاولت أن تُفهمه أنها لا تقبله، فبعثت إليه رسائل جوال قبل أن يتقدم لخطبتها، وقبل أن يعقد قرانه عليها، لكن أمها أخبرته أنها «مسحورة»، وأن السحر سيزول مع الأيام، وستحبه كما يحبها.
في فترة «الملكة»، حاولت أن تقنعه بتركها، كشفت له كم هي مجبرة عليه، استنجدت برجولته، وعندما لم يُجدِ ذلك، أهملته.. كانت تخرج معه إلى الكبائن، ثم تتركه وحده وتذهب مع صديقاتها، حاولت أن تستثير غيرته، فاكتشفت أنه لا يغار، عاملته بتعالٍ، وإهمال، وقسوة، عسى أن يكرهها، لكنه كان يصبر صبر أيوب، ويتحمل منها أي شيء، وكل شيء.
في ليلة الدخلة رفضت أن ترتدي ثوب الفرح، فضربها أبوها ضربًا مبرحًا، حتى اضطر أهلها إلى مداراة آثار الضرب بتغطية ذراعيها، واستخدام الماكياج لتغطية ما تبقى.
في تلك الليلة تجاوزت كل مشاعرها، وقدمت نفسها لعريسها في أحلى حلة، وفي تلك الليلة اكتشفت أن ابن عمها، عاجز، فقد أغمي عليه بعد ثلاث دقائق، وفي الأيام التالية اكتشفت ما هو أخطر: فمن رسائل حميمية بينه وبين صديق، ومن تصرفاته وحركاته، تبيّن لها أنه شاذ «سلبي».
حاولت أن تقنعه بتركها، هجرته، انشغلت عنه بصديقاتها، لكنه لم يبالِ، ولم يعترض، كان يكفيه أنها زوجته، ثم اختار شقة، وبدأ في التخطيط لفرشها، وعاد إلى بلدته، على أن يعود خلال أسابيع.
فوجئت به بعد أيام يتصل ويطلب منها أن تلغي كل الخطط، وتستعد للإقامة معه في بيت العائلة، بالقرية، احتجت بالاتفاق بينهما، احتجت بالجامعة التي بالكاد بدأت سنتها الأولى فيها، صاحت وناحت، حتى بدا أنه اقتنع.
جاء بعدها وطلب منها أن تسافر معه لتحضر زواج أخيه، على أن تعود لجدة بعد ثلاثة أيام، حملت معها من الملابس ما يكفي لهذه المدة فقط، وعندما وصلت، اكتشفت أنه جهّز لها شقة في العمارة التي يسكنها مع عائلته، لإقامة دائمة، تقسم أنها كانت لا تستطيع النوم من كثرة الفئران والحشرات الزاحفة والطائرة، وأنها لم تكن تستطيع أن تصنع لنفسها «شايًا» من اتساخ «المواعين»، ولا أن تشرب ماء، لأن لونه بني، ولا أن تستقر في فراش، من قذارة الأثاث والفرش.
عادت في زيارة لأسرتها، فاستبقها والدها، وطالب زوجها بالاتفاق بينهما، أن تقيم في جدة، على الأقل حتى إتمام دراستها الجامعية.
جاء الزوج في رمضان ليراجع في الأمر، ولما رفضت أن تخرج معه للنزهة ضربها أبوها، وألقى بها إلى الشارع، اضطرت للتعامل مع الموقف بحكمة، فأقنعت زوجها بأن يسكن معها في شقة مفروشة، على الأقل حتى العطلة الصيفية، وأعطته ذهبها ليبيعه ويدفع الإيجار، لان معها، ووافق، ثم وافقها على الإقامة في جدة، وعاد إلى الجنوب ليتدبر أمر نقله.
ولأنه ضعيف الشخصية، فقد انصاع هناك لأمر أهله، ونكث بالاتفاق مرة أخرى، وطالب وأهله بـ «تسليم» الزوجة، ثم لم ييأسوا من تحقيق ذلك، بدأوا في إشاعة أنها تريد الطلاق، لأنها ترغب الزواج من غيره، هذه المرة وقف الأب وقفة مشرّفة مع ابنته، واعترف لها بأنه ظلمها بالزواج من هذا «الإمَّعة»، نصف الرجل، وتعهد لها بأنه لن يتخلى عنها، ولن يسلمها له.
ردة فعل الزوج وأسرته أن قرروا تعليقها إلى الأبد، بلا طلاق ولا نفقة، فيما يبحثون له عن عروس، فبقيت في بيت أبيها، لا تستطيع السفر، ولا العمل، لأن ولي أمرها، زوجها، لن يسمح لها، ولن يعتقها، ثم بدأت التهديدات بطلبها لبيت الطاعة.
مثل رويدا كثيرات من «المجبرات» على زواج لم يقبلنه، ولم يستطعن التأقلم معه، والحديث عن «الخلع» صعب على بناتنا، ووصمة تلاحقهن، سواء نجحن في الحصول على حريتهن، أم فشلن. فكيف تثبت أن الزوج عاجز؟ وكيف تشرح أنها لا تطيقه؟ وكيف تصمد أمام من يرى أن المشاعر «مقدور عليها» بالإقناع والتوفيق، وأن السبب الوحيد الذي قد يبرر الخلع هو العنف الجسدي، أو الحرمان المادي، أو الجرائم الأخلاقية؟
نحن بحاجة إلى تغيير مفهومنا لحقوق الزوجة، حتى نحفظها من الانحراف والاكتئاب والجنون! إذ ليست هذه الحقوق محصورة في بيت ومصروف وظل رجل.. فكلنا نستحق السعادة!