رياضة في قفص الاتهام

الملاكمة.. هذه الرياضة التي تثير ضجة في الأوساط الرياضية العالمية، مازالت تخلف الضحية تلو الأخرى، ومن بين هؤلاء الضحايا كان: جيمس موراي، وأنا أشاهد مقتطفات من مقابلة اللقب البريطاني في وزن الديك لفتت انتباهي اللكمات القاتلة التي تعرض لها الملاكمان المفتولا العضلات، وكأن كلا منهما مستعد لأن يقتل خصمه في سبيل الظفر بالتتويج!

 

لن أتحدث عن المعطيات التقنية لتلك المباراة، بل سأركز على ظاهرة العنف في رياضة الملاكمة كمعطى سيكولوجي، وكذلك مواقف مختلف المهتمين مباشرة بهذه الرياضة من جمهور، وحكام، ومدربين، وصحافيين.

 

صحيح أن الملاكمة أنجبت أبطالاً عالميين أمثال جو لويس، ومحمد علي، وجو فريزر، وجورج فورمان، ومايك تايسون.. والقائمة تطول، لكنهم كمحترفين لا يكاد أي من لقاءاتهم يخلو من عنف بين كسر في طقم الأسنان.. انتفاخ في العينين.. ارتجاج في المخ.. مرض الرعاش Parkinson.. نزيف في الأنف أو المخ، إلى درجة أن هذه الرياضة أصبحت مرادفة للقتل العمد باستحقاق كبير.

 

من قتل جيمس موراي؟! عنوان مستعار من إحدى الأغاني العالمية الرائجة في السبعينات، فقبل سنوات أثارت أغنية بوب ديلان «Who killed Davy more» ضجة في الأوساط الفنية؛ لأنها دعت إلى ضبط هذه الرياضة قبل أن تمتلئ لائحة الضحايا، لكن أحدًا لم يسمع.

 

لقد رحل جيمس موراي وبرادلي ستون، كما رحل قبلهما ديفي مور، بطل العالم في وزن الريشة سنة 1963 متأثرًا بجراح أصيب بها، وظل أربعة أيام يعاني منها قبل وفاته، ومن الملاكمين من لازال على قيد الحياة، لكن آثار عنف الملاكمة مازالت بادية عليهم كالبطل الأسطورة محمد علي كلاي، الذي أصيب بمرض الرعاش Parkinson.

 

من قتل جيمس موراي.. من قتل برادلي ستون.. من قتل ديفي مور؟! أسئلة لها إجابات تختلف من شخص إلى آخر. الحكم يقول: «لست القاتل أبدًا، كان بإمكاني أن أوقف المباراة، لكن الجمهور سيثور؛ لأنه دفع مبالغ خيالية، وهناك لجنة مكلفة بمراقبة المباراة، هذا محزن حقًا، لكن الرياضة هكذا!».

 

أما الجمهور فله رأيه أيضا: «لسنا القتلة. شيء محزن أن يلقى ملاكم مصرعه على الحلبة، لكننا دفعنا ثمنًا باهظًا من أجل مشاهدة اللقاء. ثم إن العنف له نكهته الخاصة أيضًا، لكن أن يصل الأمر إلى وفاة ملاكم فهذا شيء محزن. نحن لسنا مسؤولين».

 

أما المدرب فيقول: «إنه شيء مؤسف حقًا، ظننته في صحة جيدة، لكنه لو لم يكن قادرًا على المواجهة، كان بإمكانه أن يمتنع. إنه موقف صعب بالنسبة لزوجته وأبنائه. لا لست المسؤول، ولا ذنب لي فيما حصل».

 

الصحافي يقول في الصفحة الأولى: «الملاكمة ليست سببًا في مصرع فلان. في مقابلة كرة القدم الخطر أشد. الملاكمة رياضة نبيلة. مصرع ملاكم ينبغي ألا يقضي على رياضة بأكملها».

 

الخصم يقول: «لست مسؤولا عما حصل. صحيح وجهت له لكمات عنيفة، لكن هذا هو عملي؛ ولهذا السبب أتقاضى أجرًا. لا تقولوا إنني قتلته، إنه قدره».

 

إذا كان الجمهور والصحافيون والمدربون والأطباء والملاكمون أنفسهم ومنظمو هذه اللقاءات غير مسؤولين. ترى من المسؤول إذن عن هذه المآسي التي يتخذها البعض سببًا للثراء؟! والكل هنا يتذكر كيف صنعت إحدى الشركات قطع شوكولاته على شكل أذن الخصم التي قضمها مايك تايسون ذات مباراة في جنوب أفريقيا!